للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موافقة وعهد أولى من أن يأخذونا أسرى. فخرج إليهم، فقبضوا عليه وسلَّموه إلى أخيه محمد، فلما تسلَّمه قال: يا أخي، واللهِ لا قابلتُكَ بما عاملتني به، ولأعامِلَنَّكَ بالجميل الذي تقتضيه الرَّحِمُ بيني وبينك، فانظُرْ أيَّ مكان تؤثر لأحمِلَكَ إليه، تُقيم فيه، وأُنزلك ومن تختار من حرمك ومالك وثيابك وما تستدعيه. فاختار قلعةً كبرى، فأنفذه إليها محروسًا مُكرَّمًا مصونًا موقرًا، ثم اتفق ابن محمد وابنُ يوسف ابنُ عمهم وابنُ علي خوشاند على قتل مسعود، فأعملوا الحيلة، ولم يعلم محمد، فدخل ابنُ محمد إلى والده وطلب خاتمه ليختم به الخزائن، فأعطاه إيَّاه، فمضى ابن محمد وابن يوسف وابن خوشاند في جماعة إلى القلعة التي فيها مسعود، فأرَوا المقيمَ بها الخاتمَ، وسألوه أن يفتح لهم ليوردوا على مسعود رسالةً يحملوها من محمد إليه، وعلم مسعودٌ فأحسَّ بالشرِّ منهم، فقال له: لا تفتَحْ. ووعدَه وأرغبَه فلم يقبَلْ، وفتح فصعدوا ودخلوا على مسعود، فقتلوه وحملوا رأسه إلى محمد، فوضعه ابنُه بين يديه، فقال: ما هذا؟ قال: رأس مسعود. فلطم وجهه، وشقَّ ثيابه، وجزع جزعًا شديدًا وأنكر على ابنِه فِعْلَه، وقال: واللهِ لنُقتَلَنَّ كلُّنا. ثم انفرد في بيت حزينًا، فاجتمع إليه خواصّه وقالوا: لا تفعل، فإنَّ هذا ممَّا يوحشُ عسكرك منك وينفرهم عنك، وقد مضى ما مضى، ولن يعود الفائت، فأطلق للجند وأعطاهم، وبلغ أبا الفتح مودود بن مسعود، وكان بغَزْنة وبينه وبين المكان الذي فيه محمد والعسكر عشرة أيام، فانتخب من عسكره عشرةَ آلاف فارس، وقيل: خمسة آلاف، وأغذَّ (١) السير ليلًا ونهارًا حتى كبسهم ليلًا، وكانوا عشرين ألفًا، فظهر عليهم، وقبض على محمد وابنِه وابنِ يوسف وابنِ علي خشاوند وجميعِ من كان معهم في القصر، فثقب كعابهم، وجعل فيها الحبال، وجرَّهم ذاهبين وعائدين في أرجل الخيل إلى أن تقطَّعوا، ومناديه يُنادي: هذا جزاء مَنْ غدرَ وكفرَ وأقدمَ على قتل وليَّه ومولاه. ثمَّ قتل عمَّه محمدًا وعددًا كبيرًا من الغلمان ومَنْ شك فيه واستراب منه، وأفنى الغلمان الذين غدروا بأبيه ونهبوه وقبضوا عليه، وعاد إلى غَزْنة مالكًا، ووزر له وزير أبيه أبو نصر بن عبد الصَّمد، وأظهر العدلَ وحُسنَ السيرة، وسلك طريقَ جدِّه محمود في السياسة، وعاد إليه بعضُ خراسان، وكان طُغْرُلْبَك مقيمًا


(١) في (ف): أجَدَّ.