للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فالنصارى يسمونه إيشوع (١) الناصري، لأنه ظهر منها، قلنا: سكنها مدَّة فأضيف إليها.

وذكر ابن حوقل في "عجائب الدنيا وصفتها" أن عيسى وُلد بمصر، بكورة أَهْناس، ولم تزل نخلة مريم قائمةً في أَهْناس إلى آخر أيام بني أمية (٢). وليس هذا بشيء. والأول أصحُّ.

﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤] وهو النهر الصغير في قول عامة العلماء، وقال الحسن: المراد به عيسى ، لأنه كان سريًّا، أي: عاليًا رفيعًا. والأول أصحُّ لوجهين:

أحدهما: لأنها كانت حزينة، لأنها لم يكن عندها طعام ولا شراب، فنوديت: قد أطلعنا لك الرُّطَب من النَّخْلة، وأجرينا لك النهر.

والثاني: لأن الله تعالى جعل آيتها في النهر، فكان طوع أمرها، إن أمرته جرى، وإن أمرته وقف.

وقال ابن عباس: ضرب جبريل بجناحه الأرض، فجرى النهر من عَيْنٍ عذبةٍ باردة، وأورقت النخلة بعد يبسها وأرطبت.

وقال مقاتل: لما سقط عيسى على الأرض ضرب برجله، فنبع الماء، وأطلعت النخلة، وأحدقت بها الملائكة.

وقيل: كان يوسف النجار معها، فأوقد لها نارًا، وأطعمها سبع جوزات.

وقال وهب: لما وضعته خرَّت الأصنام سجَّدًا، فأخبرت الشياطين إبليس، فبثَّهم في الدنيا وخرج، فجاء إلى المكان الذي فيه عيسى، والملائكة قد حفَّت به، فلم يتجاسر أنْ يدنوَ منه، فرجع إلى أعوانه، وقال لهم: وُلِدَ مولود عظيم معه نور، لم أقدر على الدنوِّ منه، ومن عِظَمِ أمره أن الله كتم عني حاله، ولم تضع أنثى إلا وأنا حاضرها. ثم مشى في الناس، فأشاع الفاحشة.


(١) في (خ) و (ك): إيشوى.
(٢) "صورة الأرض" ص ١٤١.