للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليكم، فبادروا إلى جمعِه وحملِه، فجمعوا خمس مئة، وقسطوها على الكَرْخ وما حوله، فاجتمعوا إلى دار الخليفة وقالوا: هذا شيء ما ألِفْناه، وقد أفنى الحريقُ والنَّهبُ أموالنا. فبعث الخليفة إلى الكُنْدُري يقول: قد قَبُحَتِ السيرةُ، وساءتِ السُّمعةُ، وكثُرتِ الشَّناعة. فيُقال: إنه أسقطها عنهم.

وفي هذا الوقت مضى قوم من الخراسانية إلى محلَّة الحربية فطالبوهم بمال، فقالوا: نحن قوم مستورون، وبمساجدنا مشتغلون، ولما تقصَّدَنا [الناسُ] (١) به من زكواتهم وصدقاتهم محتاجون، فلم يلتفتوا إليهم وضربوهم، وأخذوا ما وجدوا لهم، وباع أهل الحربية نفوسَهم بما جمعوه من معارفهم، ثم جاؤوا إلى قصر عيسى فأخرجوا أهلَ الدور ورمَوْهم على الشوارع، فبَنَوا أكواخًا من قصب تحت دار الخليفة، وأقاموا بها، وفرشوا البواريَ على باب الغربة والمسوحَ وضجُّوا، وكان فيهم جماعةٌ من أهل البيوتات لهم حالٌ، فقُبِضَ عليهم من باب الدار، وصُودروا على قدر أحوالهم من الألف دينار إلى عشرة دنانير، واشتدَّ النبلاء على أهل بغداد وشحذوا، ومات أكثرهم تحت الضرب وفي الحبوس.

وفي هذا الوقت ورد الخبرُ من واسط بأنَّ أَبا الغنائم بن فَسانْجِس والتُّرك عصَوا على السلطان، وكان عميد الملك قد ولَّاه، فبلغه أنَّهم على عزم عزله ومصادرته، فاستمال الأتراكَ، وورد عليه طائفةٌ من الديلم والأكراد والرجَّالة فقدَّموه عليهم، فأنفق فيهم الأموال، وزوَّر كتبًا عن البساسيري يَعِدهم الإحسان والإقطاعات، ويَعِد أهلَ البلد العدل، وكان الترك قد نفروا من السلطان؛ لأنه قتل منهم جماعةً، وكاتبَ أهلَ البَطيحة فوافقوه، وحفر الخنادق حول واسط، وبنى أسوارًا عاليةً، وركَّب عليها أبوابَ الحديد، وبعث الكُنْدُريُّ رسولًا يصلح الحال، فاجتمع ابن فَسانْجِس والأتراك، فقالوا: نحن الخدم الطائعون، إلَّا أنَّ السلطان غيرُ محتاجٍ إلينا، ولا مهتمٍّ بنا، ومعه من العساكرِ الجمَّةِ المختلفة ما نصغُر نحن فيهم، وقد رأينا ما جرى على إخواننا البغدادية -وهم أعزُّ جانبًا منا- كيف أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، وصُودرت إسْفَهْسَلاريتُهم، وقُتِلَ من قُتِلَ منهم، وبَقُوا مُطرحين على الطرق، وقد نفرت قلوبُنا من


(١) هذه الزيادة في (ت).