للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: خروجه من مِصْرَ (١) إلى الشَّام، قال كعب: لما مات هرادش المَلِك أوحى الله إلى عيسى ارجع إلى الشام، فخرج هو وأُمهُ ويوسف النجَّار فنزلوا النَّاصِرَةَ فنُسِبوا إليها، وأخذ في مداواة المرضى والعُمْيان، فجاء إبليسُ ومعه شيطانان وتصوَّر هو في صورة آدمي، فجلس بمحضرٍ مِن النَّاس، وأشار إليه وقال: هذا تكلَّم في المهد ويبرئ الأكمه والأبرص وُيحيى الموتى، فهذا هو الله تعالى، فقال أحد الشيطانين: أخطأت أيها الشيخُ لا يُتَصوَّرُ أنْ يتجلَّى الله لعباده، ولكن هو ابن الله، فقال الآخر: أخطأتما إنَّما هو إله آخر. فصار النَّاس فيه ثلاث فرق: نسطورية (٢)، ويعقوبية (٣)، وملكية (٤) قالوا بالتثليث.

ومنها: إنعام الله عليه بقوله: ﴿إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ [المائدة: ١١٠] واختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: أنَّه الروح الذي نفخ فيه فأضافه الله إلى نفسه تشريفًا له كقوله تعالى: ﴿نَاقَةُ اللَّهِ﴾ وبيت الله، فالقُدُس هو الله، قاله ابن عباس.

والثاني: جبرائيل، وتأييدهُ به أنَّه كان يأتيه بالوحي ويحرسه إلى حين صعوده إلى السماء. قاله مجاهد.

والثالث: أن القُدُس هو الطهارة، ومعناه الرُّوح الطاهرة، قاله مقاتل.

ومنها: أنَّه كان يخلق من الطين كهيئة الطَّير وهو الخفَّاش، ثمَّ ينفخ فيه الرُّوحَ فيكون طائرًا بإذن الله.

قال وهب: لم يخلق غير الخفَّاش، وخَلْقُهُ الخفَّاشَ أعظم من غيره، لأن له خصائص من اليد والرِّجل واللِّسان ويحيضُ ويَلد ويطير بغير ريش، ولقد نعتته


(١) في (خ): الناصرية.
(٢) النسطورية: أصحاب نسطور الحكيم الذي تصرف في الأناجيل بحكم رأيه وإضافته ومن قوله: إن الله تعالى واحد ذو أقانيم ثلاثة: الوجود، والعلم، والحياة. انظر "الملل والنحل" ١/ ٢٢٤.
(٣) اليعقوبية: أصحاب يعقوب، قالوا بالأقانيم الثلاثة، إلا أنهم قالوا: انقلبت الكلمة لحمًا ودمًا، فصار الإله هو المسيح. انظر "الملل والنحل" ١/ ٢٢٥.
(٤) الملكية: أصحاب ملكا الذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها ومعظم الروم ملكانية، ومن قولهم: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح وتدرعت بناسوته، ويعنون بالكلمة أقنوم العلم، وانظر الخبر في عرائس المجالس ٣٩٣.