للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد اقتصرنا منكم على الخراجات عند إدراك الغلَّات. فدَعَوا له وشكروه، ونادى بذلك في البلد، وأظهر من حُسن السيرة ما سكنت إليه النفوس.

وفي [يوم السبت] سادس شوال وهو سادس كانون الأول طار بعُكْبَرا جراد أسود [يسمى الكيلون وكان كثيرًا] جاء من المشرق، وعبر الفرات [ولم يُسمع جراد طار في كانون إلَّا هذا] وعاش أهل العراق به، فإنهم كانوا يأكلونه نيئًا ومطبوخًا.

ونزل السلطان على باب تِكريت سادس عشر شوال، وسبق العسكر إلى بغداد، فنزلوا دور النَّاس، وأقام السلطان بقلعة تكريت إنسانًا يقال له: النَّسائيّ، وتسلَّم الحصين الذي بكرخ سامراء.

وفي نصف الشهر قدم بغدادَ بدرانُ بن دُبيس وأبو الفتح بن وَرَّام، فتلقَّاهما عميد العراق، وحمل إليهما الإقامة، واستدعاهما من الغد رئيسُ الرؤساء، وعَتَبَ على ابن وَرَّام بميله إلى البساسيري، فقال: أنتم أحوجتمونا إلى ذلك، فإن السلطان لمَّا ورد هذه البلاد أبعدتُم النَّاس كلَّهم بنهب عساكره الأموال والأولاد والأهل، فلم يبقَ لنا مكانٌ نأويه، فأصعدنا خوفًا على جوعنا وأموالنا. فخاطبه بالجميل، ووعده عن الخليفة بكل خير، ووصل السلطان إلى القُفْص (١) لستٍّ بقِينَ من الشهر، وخرج رئيس الرؤساء لاستقباله ومعه بدران وابن وَرَّام والخدمُ الخاصُّ، وبين يديه الأعيان والأمراء والجنائب والعَمَارية، وعلى رأسه مِطْرَد (٢)، وأصحبه الخليفةُ للسلطان فَرَجية ديباج مشجَّرة بالذَّهب، وعمامة قصب مُذهبة، وفرسًا أدهم بمركب ذهب، وتلقَّاه عميد الملك، ودخلوا إلى السلطان وهو جالس في خَرْكاة (٣) على سرير وعليه قَباءٌ أسود وقَلنسوة سمُّور، فلمَّا قَرُبَ منه جيشًا السلطان على ركبتيه، وتطاول له، وعانقه بيديه، ثم طرح كرسيًّا من ذهب مُرصَّعًا بالجواهر، فجلس عليه، ثم قام وأدَّى رسالة الخليفة، وهي تشتمل على الأُنس بقُربه، والسرورِ بسلامته، والإحماد لسعيه، فأومأ إلى تقبيل الأرض [وقال: أنا خادم هذه الدار العزيزة، ومتشرِّفٌ بخدمتها، ومبتهجٌ بقربي منها.


(١) القُفْص: قرية مشهورة بين بغداد وعُكْبَرا. معجم البلدان ٤/ ٣٨٢.
(٢) المِطْرَد: الراية والعلم. تكملة المعاجم ٧/ ٣٧.
(٣) الخَرْكاة: الخيمة الكبيرة، وقد تقدمت مرارًا.