للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها قطنٌ، وبقيارًا (١) ولحافًا، وكتب الخليفة رقعةً من هناك إلى بغداد يتلطَّف فيها بالبساسيري وقريش، ويسألهما إعادتَه إلى بغداد، وإحسانَ العشرة، وحلف بالأيمان المؤكِّدة على براءة ساحته من جميع ما نُسِب إليه، فلم يقع التفات إليها، ولا رَدَّ جوابًا عنها، وركب البساسيريُّ يوم الخميس العاشر من ذي الحجة إلى المُصلَّى في الجانب الشرقي، وعلى رأسه الألوية المضربة، وأكثرُ مَنْ في موكبه من العجم، وكانوا سبع مئة، فدنا منهم ولم يتعرَّضْ لهم، وعبر في طيار الخليفة، وعلى الطيار أعلام المصريين، فصلَّى العيد ونحن بين يديه، وأبو منصور بن بكران حاجب الخليفة على رأسه في النحر، وعليه ثياب بياض، وضرب البساسيري دنانير سمَّاها المستنصرية، وكان على جانبه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليٌّ وليُّ الله. وعلى الجانب الآخر: عبد الله، ووليُّه الإمام المستنصر بالله أبو تميم معد أمير المؤمنين، وأما دُبَيس فإنه كان مقيمًا بديالى، ولمَّا بلغه ما جرى رحلَ منها، ودخل بغداد يوم السبت الثاني عشر من ذي الحجة، والتقاه البساسيري وقريش، وفي جملتهم أبو عبد الله المردوسي وجماعة من الحاشية؛ طمعًا أن يُصلحَ حالهم مع البساسيري، وضرب خيمةً على الصراة، وكان البساسيريُّ يقبض في الليل على جماعةٍ ويُفرِّقهم، وقدم عليه مَنْ كان بواسط من الغلمان والعجم، فاستخدمهم وطيَّب قلوبهم، وأقفر حريم دار الخلافة، ولم يبقَ فيه إلا عددٌ يسير، وخربتِ الدُّور والمساكن والأسواق، وكان بتكريت أصحابُ السلطان طُغْرُلْبَك، رتبهم عند عوده من الموصل، فندب البساسيريُّ رجلًا -يقال له: حيدر- من العجم، كان قد خدم البساسيريَّ، وقال: تمضي مع قريش لحصار تكريت.

وفي ذي الحجة غرَّق البساسيريُّ قومًا من العجم همُّوا بالفتك به، وغرَّق معهم جماعةً من العيَّارين ظفر بهم، فيهم الزُّهيري، وكان الزُّهيري لمَّا أُنزل في السفينة ليُغرَّق سأل بعض الملَّاحين -وكان من أهل السنة- أن يَحُلَّ كِتافَه (٢) ففعل، وسبح،


(١) بقيار: كلمة فارسية، تعني العمامة الكبيرة التي يعتمرها الوزراء والقضاة والكُتَّاب. تكملة المعاجم لدروزي ١/ ٤٠٧.
(٢) الكِتاف: ما شُدَّ به من حبل ونحوه. المعجم الوسيط (كتف).