للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنه لا يفارقه، فاتَّفق أنه مات، فانزعج وقال: قد ولَّتِ السعادةُ، وانقضتِ الدولةُ. وأنفذ إليه السلطانُ كتابه الذي دافعه فيه عن المجيءِ إلى الري، والمُقامِ بنيسابور، والتصريحِ بالمحاربة، ثم أتبعه بالكتاب الذي بخطِّه وهو يرعد فيه ويبرق، وقال: أما هذه مكاتبتُكَ إليَّ وهي خلافُ ما ادَّعيتَه من كونِكَ بذلْتَ المال في خدمتي. فقال: عفوُ السلطان أعظمُ من ذنبي. قال صاحبه: وخرج إلى مَروالرُّوذ في يوم الثلاثاء خامس صفر، وخرجتُ معه، وحمل [معه] (١) زوجته وابنته وجواريه والأربع غلمان، وكتب معه كتابًا إلى مَروالرُّوذ، فيه: الشيخُ الجليلُ عميدُ الملك يخدُمُ خدمةً مرضية، ويُجري عليه في كل شهر مئة دينار، فخرج وهو طيِّب النفس بهذا الكتاب، منظورٌ أنه يعود إلى ما كان فيه، ووصل إلى نيسابور، ودخل إلى خاتون زوجة ألب أرسلان أم خفجاق ولدِه، وخدمه، وأخذ ولدَها فأجلسه في حُجرِه، وتعلَّق بذيله وذيلها، واستجار بها وسألها المكاتبة إلى السلطان في العفو عنه، وحمل إليه خمسَ مئة دينار وفرسًا، فوعدته بالجميل، وكتبت له إلى مروالرُّوذ وهي داخلة في إقطاعها بألف دينار، وكتبت له إلى السلطان كتابًا، وأنه قد استجار بها وبولدها، ومضى إلى مروالرُّوذ فنزل بدار رئيسِها، ثم وصل إلينا الخبرُ بأن محمود بن أبي علي المَنيعي رئيس نيسابور ورد إلى مكانٍ بينه وبين مروالرُّوذ سبعُ فراسخ، وجاء كتابُه إلى أخيه عبد الرزاق النائب عنه في البلد أنَّ السلطان كتب إليه مع غلام تركي يأمره بقتل عميد الملك (٢)، وأنه أنفذ الكتابَ والغلامَ إليه ليقف عليه، ويُمكِّن الغلامَ مما جاء فيه، وأنه ما تأخَّر إلا حياءً من أن يجري ذلك على يده. قال: فانزعج عبد الرزاق -وكانت بين عميد الملك وبين المَنيعي مودةٌ مؤكَّدةٌ، وصداقة شديدةٌ- وحضر الغلامُ عند عميد الملك، وأمره بالصعود إلى القلعة، وأنَّ السلطان إنما أنفذه لهذا، فصعد وحُرَمه إليها، وكان عبد الرزاق خطيبَ البلد متقدِّمَه، وكان ذلك في يوم جمعة، فصَعِد المنبر ولم يدْرِ ما يقول، فذكر الكلمتين ونزل، واطَّلعتُ أنا على الخبر، فصَعِدتُ إليه وعرَّفتُه وقلتُ: انظُرْ هل من حيلةٍ؟ فأبلس وجَفَّ لسانه، وقال: الحيلةُ أن تجمع بيني وبين عبد الرزاق. فنزلتُ إليه وقلتُ له: قد


(١) هذه الزيادة من (ف).
(٢) في (ف): عميد الدولة.