للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمتُ ما بينكم وبينه، وقد علم بالخبر، ويسألك الاجتماع ليوصيَ إليك بأهله وحرمه. فقال: ما لي قلبٌ أشاهده. فلم أزَلْ به حتى أصعدتُه إليه، فتعلَّق بذيله وقال: ما أعرف خلاصي إلا منكَ. فقال: وأيُّ حيلةٍ لي؟ قال: تكتب إلى أخيك بأنني لا أُقدِمُ على هذا الأمر حتى تحضر، فهذا حضر قلتَ له: هذا أمر عظيم، ما ينبغي أن تُقدِمَ عليه بأول كتاب، ولعلَّ السلطان كان سكرانَ، والرجل مريض، وربما قضى نحْبَه، وكُفيَ السلطانُ إثمَه، وأكتب أنا ورقةً أُرقِّقه فيها. فقال: سمعًا وطاعة. ونزل من القلعة، وكتب إلى أخيه محمود كتابًا، فجاء إليه واجتمعا، وعرَّفه ما قال عميد الملك، وقال: علينا الحقوق. فقال: سمعًا وطاعة. وكتب إلى السلطان يبذل له الأموال العظيمة، ويخضع ويَذِلُّ، وبعث محمود بالكتابين، ووهب عميدُ العراق الغلامَ الوارد مالًا، فتوقَّف إلى حين يجيء الجواب، وسال عميدُ الملك عبدَ الرزاق أن يوقفه على الكتاب، فبعث به إليه، ومضمونه بأننا أنفَذْنا الشيخَ أبا نصر إلى مجلسه (١)، وأبقينا على نفسه؛ تصوُّرًا منا أنَّ فساده منحسم، وأذاه منقطع، وأنه يشغله خوفُه على مُهجتِه عن سوء فعله وطريقته، وما نراه إلا ازداد عتوًا وفسادًا، وأنَّ عقارِبَه تدِبُّ إلينا، وقد اجتمعت آراءُ محتشمي دار الخلافة وآراءُ دولتنا على أنَّ الصلاحَ في الراحة منه، فيُخنَقُ بسلسلة، ويُعلَّق على باب القلعة سبعةَ أيام، فلما قرأه يئس من الحياة، وأقمنا مدةً، فجاء غلامان من غلمان السلطان ومعهما إلى محمود كتابٌ يُنكر عليه إقدامَه على المخالفة، وبؤمَرُ بقتله وحَمْلِ رأسِه إليه، وصَعِد الغلامان إليه، فقام إليهما، وسلَّم عليهما، وقال: في أيِّ شيء جئتما؟ فقالا: قُمْ وصَلِّ ركعتين، وتُبْ إلى الله تعالى مما أسلفتَ. فقال: أدخُلُ وأُودِّعُ أهلي. فقالا: ادخُلْ. فدخل، وارتفع الصُّراخُ من زوجته وابنتيه وجواريه، وكشَفْنَ رؤسهُنَّ، وحثَينَ التراب عليها، فدخلا عليه وقالا: اخرُجْ. فقال: خُذا بيدي فقد منعني هؤلاء النساء من الخروج. فأخْرَجاه وأغلَقا الباب، وخرج إلى مسجد هناك، ومشى حافيًا، وخلع فَرَجية سَمُّورٍ (٢) كانت عليه، فأعطاهما إيَّاها،


(١) في (ف): محبسه.
(٢) السَّمُّور: دابة معروفة تكون ببلاد الروس وراء بلاد الترك، تشبه النِّمس، ومنها أسود لامعٌ وأشقر، يُتَّخذ من جلدها فِراء مُثمنِة، أي: غالية الأثمان. تاج العروس (سمر).