للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد شتاته، وواصل الجميلَ بعد ثباته، ثم خاطب الخليفةُ الوزيرَ بما شرح به صدره، وأمر بإفاضة الخِلَعِ عليهم، فخلع على الوزير الفَرَجية والعمامة المُذْهَبة، وكذا على ولديه، وأُعطي بغلةً من مراكب الخليفة، وأعطي ولَدَاه فَرَسين، وأخرجوا بين يدي الوزير دَواةً مُفضَّضةً والخلائقُ بين يديه، وكَتب له توقيعًا يُشعر بالرضا عنه، ودخل عليه ابن الفضل الشاعر، وأنشده هذه الأبيات: [من الرجز]

قَدْ رجعَ الحقُّ إلى نصابِهِ … وأنتَ من دونِ الورى أولى بِهِ

ما كنتَ إلا السيفَ هَزَّتْهُ يَدٌ … ثمَّ أعادَتْهُ إلى قِرابِهِ

هزَّتْهُ حتى أبصرَتْهُ صارمًا … رونقُهُ يُغنيكَ عن ضِرابِهِ

أكرِمْ بها وزارةً ما سلَّمَتْ … واستودَعَتْ إلَّا إلى أربابِهِ

مشوقةً إليكَ مُذْ فارقْتَها … شوقَ أخي الشيبِ إلى شبابِهِ

يُدمي أبو الأشبال مَنْ زاحمَهُ … في خِيسِهِ (١) بظُفرهِ ونابِهِ

إنَّ الهلال يُرتجى طلوعُهُ … بعد السَّرارِ ليلةَ احتجابِهِ

والشمس لا يُوْءَسُ من طلوعِها … وإنْ طواها الليلُ في جِلبابِهِ

ما أطيبَ الأوطانَ إلَّا أنَّها … للمرءِ أحلى (٢) أثرَ اغترابِهِ

لو قرُبَ الدُّرُّ على طالبِهِ … ما لجَّجَ الغائصُ في طِلابِهِ

ولو أقامَ لازمًا أصدافَهُ … لم تكُنِ التِّيجانُ في حسابِهِ

ما لؤلؤُ البحرِ ولا مرجانُهُ … إلَّا وراءَ الهولِ من عُبابِهِ

مَنْ يعشقِ العلياءَ يلقَ عندها … ما لقيَ المُحِبُّ من أحبابِهِ

طَورًا صدودًا ووصالًا مرةً … ولذة الواثقِ في عتابِهِ

ذلَّ لفخرِ الدولة الصعبُ الذُّرى … وعلَّم الأنامَ من آدابِهِ

فلمَّا كان يومُ الجمعة سادسُ ربيع الأول ركب الوزير في موكب عظيم، وعبر ليُصلِّي في جامع المنصور، وضجَّ الناس بالدعاء للخليفة سرورًا به، واجتاز بالكَرْخ، فنثر عليه


(١) الخِيس: الشجر الكثير الملتف. المعجم الوسيط (خيس).
(٢) بعدها في (ف) وحدها زيادة: من.