للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتفرَّق الباقون، وبعث الوزير إلى الجامع فضرب مَنْ فيه بالدبابيس وأخرجهم، وأغلق أبواب الجامع، ورفع كراسيَّ القُصَّاص، فهربوا، وهُدِّد أبو إسحاق فخاف وعزم على الخروج إلى باب السلطان بخراسان، فأعاده الوزير إلى داره، وسكَّنه الخليفةُ، وأقام ابنُ أبي موسى في منزله لا يخرج منه، فلمَّا طال عليه الأمر عاد إلى عادته في التدريس، وقامت الهيبة، وفي هذا الوقت وقع الموت (١) في الدواب والغنم، فلم يبقَ منها شيء، ونام راع في طريق خراسان عند القطيع، ثم انتبه فوجد الغنم موتى بأسرها، وكانت خمس مئة رأس، فأخذه سعد الدولة الكوهراني فصلبه برجله، وأضرم فيه النار وهو حيٌّ، فاحترق، فسُمِّي (٢) سعدُ الدولة الشَّوَّاءَ، وقامت له هيبةٌ لم تقُمْ لغيره.

وفي هذا الوقت قدمت فاخرة بنت نور الدولة بن مَزْيَد بغداد، فطرحَتْ نفسَها في دار الخلافة مستجيرةً من مسلم بن قريش، فإنه كان قبض على أخيه إبراهيم زوجِها، فبعث الخليفة إليه رسولًا في معناه، فقال: هذا الغلام سعى في دمي، وفعل ما يقتضي الاستظهار عليه، وأنا نازلٌ إلى الباب العزيز، وذاكرٌ أفعاله معي، فإذا أمرتَ بعد ذلك بأمر امتثلته. وخرجت فاخِرةُ (٣) إلى نور الدولة أبيها، ومطر العراق مطرًا فيه برَدٌ وبندقُ طين، مثلُ بيض العصفور، له رائحة طيبة.

وفي شعبان أخذ أصحاب السلطان الأنبار من مسلم بن قريش؛ لأنَّ السلطان تنكَّر له وأخذ منه حربى فأعطاها لخاتون زوجة الخليفة، وكتب بإدخال اليد في هِيت وعانة والسن والبَوازيج (٤) وأعمال الموصل ممَّا كان في يد مسلم، وأن يبقى في يده ما كان في زمن أبيه أيام ركن الدين طُغْرُلبَك.

وفيها عقد للأمير عدة الدين على ابنة السلطان ألب أرسلان بنيسابور، وجلس السلطان على سرير الملك ونظام الملك بين يديه قائم، وحضر عميد الدولة وكيلًا عن عُدَّةِ الدين، ووضع له كرسيَّ فضة فجلس عليه، وحضر الملوك والأمراء والرسل على


(١) في (م): الموتان.
(٢) بعدها في (م) زيادة كلمة: للصوص.
(٣) في (خ): إمارة.
(٤) البوازيج: بلدة قربَ تكريت من أعمال الموصل. معجم البلدان ١/ ٣٦٦.