للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن خازم من وراء أتْسِز كمينًا في ألفي فارس، فخرج من ورائهم، فأخذ البغال المحمَّلة، وضرب النار في الخيم والخركاوات، واستأمن إلى والد شكلي السبع مئة غلام كانوا في الميسرة، وحمل بدرٌ على الميمنة فهزمها، وحمل السودان على القلب وفيه أتْسِز، فانهزم وقُتِلَ مَنْ كان حوله، وتبعهم السودان والعرب أسرًا وقتلًا إلى الرمل، وغنموا منهم غنائم لم يغنمها أحدٌ قبل ذلك، وكان فيما أخذ ثلاثةَ آلاف حصان وعشرة آلاف صبي وجاريةً، وأما من الأموال والثياب فما لا يُحصى، وأقاموا مدة شهر رجب يحوزون الأموال والخيل والأمتعة والأسارى، وجاء العسكر وأهل البلد إلى باب القصر، فضجُّوا بالأدعية، فخرج إليهم جواب المستنصر: قد علمتُم ما أشرفَ عليكم من الأمر العظيم والخطب الجسيم الذي لم يخطر في نفوسنا القدرة على دفعِه وردِّه، حتى كشفه الله تعالى، وما يجب أن يكون في مقابلته إلا الشكر لله تعالى على نعمته، ومتى وُجد إنسانٌ على فاحشة كان دمُه ومالُه في مقابلة ذلك، ثم وُجِدَ بعد ذلك ستةُ سكارى، فأُخذوا وخُنقوا، وزال (١) ما كان بمصر من الفساد، ولازموا الصلوات وقراءة القرآن، ومضى أتْسِز في نفر يسير، فلمَّا وصل غَزَّة ثار أهلُها به، وقتلوا جماعةً ممَّن كان معه، فهرب إلى [الرملة، فخرج إليه أهلها، فقاتلوه وقتلوا من كان معه، فهرب إلى] (٢) دمشق في بضع عشرة نفسًا، فخرج إليه ولدُه ومسمار أحد أمراء الكلبيين، وكان قد استخلفهما بدمشق في مئتي فارس من العرب، وكان وصوله في عاشر رجب، فنزل بظاهرها في مضاربَ ضربها له مسمار، وخرج إليه أهل البلد فخدموه، وهنَّوه بالسلامة، وشَكَوه، فشكرهم، وأطلق لهم خراج تلك السنة، وأحسن إليهم، ووعدهم بالجميل، فقام واحدٌ منهم فقال: أيها الملك العادل -وبه كان يُخاطب ويُخطَبُ له- قد حلفتَ لنا وما حلَفْنا لك، وتوثَّقتَ منَّا، وأنا والله أصدُقُكَ وأنصحُكَ. فقال: قُلْ. قال: قد عرفتَ أنه لم يبقَ في هذه البلدة عشرُ العُشرِ من الجوع والفاقة والفقر والضعف، ولم يبقَ لنا قوله، ومتى غُلقت أبواب هذا البلد من عدوٍّ قصدَه، ورُمْتَ منا منَعةً أو حفظًا، فإن كنت مقيمًا بيننا فنحن بين يديك مجتهدون، ولك


(١) في (خ): وذلك، والمثبت من (ب).
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).