للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي كانت تساوي [ثلاثة آلاف دينار يُنادى عليها عشرة دنانير، فلا يشتريها أحد، والدكَّان الذي كان يساوي] (١) ألف دينار ما تُشترى بدينار، كان الضعفاء يأتون إلى الدار الجليلة ذات الأثمان الثقيلة فيُضرمون فيها النار فتحترق، ويجعلون أخشابها فحمًا يصطلون به، وأُكِلت الكلابُ والسنانير، وكان الناس يقفون في الأزِقَّة الضيِّقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم، وكان لامرأة داران قد أُعطيت قديمًا في كلِّ دار ثلاثُ مئة دينار أو أربع مئة دينار، ولمَّا ارتفعت الشدة عن الناس ظهر الفأر، فاحتاجت إلى سِنَّور، فباعت إحدى الدارين بأربعة عشر قيراطًا، واشترت بها سِنَّورًا.

وفي شوال وقعت فتنة بين الشافعية (٢) والحنابلة، وسببها أنه ورد إنسان يُعرف بأبي نصر بن عبد الكريم القُشيري النيسابوري الواعظ المتكلم على مذهب الأشعري، فجلس في المدرسة النظامية، وخلطَ وعْظَه بالكلام، وذمَّ الحنابلة، وتكلَّم في القرآن، فأنكرت الحنابلة ذلك، وعَنَّ لأبي إسحاق الشيرازي إمام الشافعية وأصحابه معونته على الحنابلة، وتتبَّعَ بعضُهم بعضًا في الطرقات ضربًا وسبًّا، فالشافعية لقلة عددهم اعتضدوا بنظام الملك، وأما الحنابلة فمع كثرة عددهم تقوَّوا بسواد البلد، وكان في يوم مجلس ابن القُشيري يحضر قومٌ من اليهود والنصارى، ويرغبون فيما يعطون فيُسلمون، ويُخلَع عليهم، ويُحملون على الخيل ويُطاف بهم، فتقول العوام: هذا إسلام المغايظة والرِّشا، لا إسلامُ الدين والتُّقى. وزاد الأمر فيما بينهم، وجلس جماعةٌ، وكتب أبو إسحاق إلى نظام الملك يشكو أمر الحنابلة ويستدعي منه المعونة، وبعث جماعةً بكتُب، وكان أبو جعفر عبد الخالق بن أبي موسى الهاشمي مُتقدِّم الحنابلة مقيمًا بالرُّصافة، فبان له من شحنة بغداد، ويعرف بالسلار القاروني، تعصُّب عليه خدمة لنظام الملك، وبلغه أنَّ ابن القُشيري على عزمِ قصد جامع الرُّصافة يوم الجمعة ومعه الشحنة، فخاف، وجاء إلى دار الخليفة شاكيًا، وأقام بباب المراتب أيامًا، ثم مضى إلى مسجده بباب النُّوبي، فأقام به على عادته، وحُمِلَ إليه يهوديٌّ


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في المنتظم ١٦/ ١٨١ - ١٨٣ - والخبر فيه- بنحوه مختصرًا-: الأشعرية.