للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المنصور مدةً، ثم انتقل إلى الجانب الشرقي، فكان يُدرِّس بمسجد مقابل دار الخلافة، ودرَّس بجامع الرُّصافة وغيره، ولمَّا غسَّلَ القائمَ أوصى له بأشياء كثيرة، فلم يأخذ منها شيئًا، فلمَّا فرغ من غسله استدعاه المقتدي فبايعه في مكانه منفردًا، وأسكنه المقتدي في داره خوفًا عليه، ولمَّا اشتدَّ مرضُه قال: احملوني إلى باب حجرة الخليفة. فحملوه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرُبَ الوقتُ، وما أُحِبُّ أن أموت إلَّا بين أهلي. فأذِنَ له، فمضى إلى بيت أخته بالحريم الطاهري، ولم يُخلِّف شيئًا من الدنيا سوى الحبل والدلو الَّذي كان يستقي به الماء، وكتابًا يُطالع فيه، وكانت وفاتُه ليلةَ الخميس النصف من صفر، وصُلِّي عليه يوم الجمعة بجامع المنصور، وكان يومًا مشهودًا، يُقال في جنازته: ترحَّموا على الشهيد المسموم القتيل. فيُقال: إنه سمَّه بعضُ المخالفين في مداسه. ودُفِن إلى جانب الإمام أحمد رحمة الله عليه، وكان الناسُ يبيتون هناك كلَّ ليلة أربعاء، ويبيعون المأكول والفواكه، فيُختَم عنده في تلك المدة عشرةُ آلاف ختمة، ثم جاء الشتاء، فانقطعوا. وكان صدوقًا، ثقة، زاهدًا، عابدًا، وصنَّف التصانيف في مذهب الإمام أحمد .

عبد الرحمن بن محمد (١)

ابن إسحاق بن محمد بن يحيى بن إبراهيم، أبو القاسم، الأصفهاني، ويعرَفُ بابن مندة، ومندة لقب إبراهيم جدِّه، إمامٌ ابنُ إمام، وُلد سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة، وسمع خلقًا كثيرًا، وكان عظيمَ الشأن، كثيرَ السماع، سافر البلاد، وصنَّف التصانيف، وخرَّج التاريخ، وكان له سمتٌ ووقارٌ، وأتباعٌ فيهم كثرة، وكان متمسكًا بالسنة، معرضًا عن أهل البدع، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، وكانت وفاتُه بأصبهان، وصلَّى عليه أخوه عبد الوهاب، وكان في جنازته خلقٌ لا يُحصَون كثرةً.


(١) المنتظم ١٦/ ١٩٤ - ١٩٥، وطبقات الحنابلة ٢/ ٢٤٢، وذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٦ - ٣١، والكامل ١٠/ ١٠٨. وتنظر باقي المصادر في السير ١٨/ ٣٤٩.