للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعد بن علي (١)

ابن محمد بن علي بن الحسين، أبو القاسم، الزَّنجاني، الحافظ، الصوفي، ولد سنة ثمانين وثلاث مئة، وطاف البلاد، وانقطع في آخر عمره بمكة، وصار شيخ الحرم، ولمَّا عزم على الإقامة بمكة والمجاورة بالحرم عزم على نفسه نيِّفًا وعشرين عزيمة من المجاهدات والعبادات، ففعل الجميع، ومات بعد ذلك بأربعين سنة، ولم يُخِلَّ منها بعزيمة واحدة.

وقال أبو المظفر بن السمعاني جدُّ صاحب "الذيل": كُنْتُ على عزم المجاورة بمكة، فرأيتُ والدتي في المنام وكانت بخراسان، وقد كشفتْ رأسها وهي تقول: باللهِ عليك ولدي، لا تُجاوز، ارجِعْ إليَّ فلا صبرَ لي على فراقك. فانتبهتُ مغمومًا، وتردَّدتُ بين المقام والرجوع إليها، فقلت: لابُدَّ أن أشاور أبا القاسم الزَّنجاني، فأتيتُه وعنده خلقٌ عظيم، وكان إذا خرج من بيته ترك الناسُ الطوافَ بالبيت، وقبَّلوا يديه أكثر مما يُقبِّلون الحجر الأسود، فتقدَّمتُ إليه وقد قام ليدخل بيته، فمشيتُ إلى جانبه ولم أُكلِّمْه، فالتفتَ إليَّ وقال: يا أبا المظفر، العجوزُ تنتظرك. ولم يَقُلْ غيرَ هذا. فخرجتُ مع الحاجِّ إلى مرو، واجتمعتُ بوالدتي، ولمَّا مات بمكة أميرُها محمد بن أبي هاشم ما كان في الحرم من يُستحى منه غير هذا الشيخ. وكان إمامًا، حافظًا، ورعًا، زاهدًا، عابدًا، مفتيًا، وكان ينشد لغيره (٢): [من الخفيف]

ما تطعَّمتُ لذَّةَ العيشِ حتَّى … صِرْتُ للبيتِ والكتابِ جليسا

ليس عندي شيءٌ أعزَّ من العلْـ … ـــــمِ فلا أبتغي سواه أنيسا

إنَّما الذُّلُّ في مخالطة النَّاسِ … فدَعْهُمْ تعِشْ عزيزًا رئيسا


(١) صفة الصفوة ٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧، والمنتظم ١٦/ ٢٥١، وتاريخ دمشق ٢٠/ ٢٧٣ - ٢٧٥، والأنساب ٦/ ٣٠٧. وتنظر بقية المصارد في السير ١٨/ ٣٨٥.
(٢) وهو علي بن عبد العزيز الجرجاني كما في صفة الصفوة، وشذرات الذهب ٣/ ٥٦ - ٥٧، ومعجم الأدباء ١٤/ ١٩، وغيرها من المصادر.