للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهلي، وكان بين التلِّ وشَيزَر حصنٌ يعرف بالحراض، فوثبتُ عليه، وأخذتُه بالسيف، وحين ملكتُه أحسنتُ إلى أهله، ولم أُكلِّفْهم ما يعجزون عنه، وخلطتُ خنازيرَهم بغنمي، ونواقيسَهم بأصوات المؤذنين عندي، وصِرْنا مثلَ الأهل مختَلِطين، فحين رأى أهلُ شَيزَر فِعْلي مع الروم أنسوا بي، وصاروا يجيئوني من واحد واثنين، إلى أن حصل عندي نحو نصفهم، فأجريتُ عليهم الجرايات، ومزجتُهم بأهلي، وحريمَهم [بحريمي] (١)، وأولادَهم مع أولادي، وأيُّ مَنْ قصد حصْنَهم أعنتُهم عليه.

وحصرهم شرفُ الدولة مسلم بن قريش، فأخذ منهم عشرين رجلًا فقتلهم، فدسَسْتُ إليهم عشرين عِوَضَهم، ولمَّا انصرف عنهم جاؤوا وقالوا: نُسَلِّم إليك الحصن. فقلت: لا، ما أُريد لهذا الموضع خيرًا منكم، وجَرَتْ (٢) بينهم وبين واليهم نَبْوَةٌ، فنفروا منه، وجاؤوا إليَّ وقالوا: لا بُدَّ من تسليم الحصن إليك. فقلت: ذاك اليوم. فسلَّموه إليَّ ونزلوا منه، وحصلتُ فيه ومعي سبعُ مئة رجل من بني عمي ورجالي، وحصلوا في الرَّبَض، لم يُؤخَذ لواحد منهم درهم فرد، وأعطيتُهم مالًا له قدر، وخلعتُ على مقدَّميهم وأعطيتُهم واجباتهم لستة أشهر، وقمتُ بأعيادهم ونواقيسهم وصُلْبناهم وخنازيرهم، وسمع بذلك أهلُ بَرْزَبه وعينِ تاب (٣) وحصون الروم، فجاءني رسلُهم، ورغب كلُّهم في التسليم إليَّ، فبينا أنا على تلك الحال إذ شُنَّت عليَّ الغارات، وجُيِّشت نحوي الجيوش من ناحية مسلم بن قريش؛ غيظًا منه لِمَ تسلمتُ حصنَ شَيزَر بعد أن حلف لي قبل ذلك أنني إن أخذتُ حصن شَيزَر أنَّه لا يقودُ إليَّ فرسًا، ولا يبعث جيشًا، وباللهِ أقسم لئِنْ لم ينتَهِ عني لأُعيدَنَّه إلى الروم ولا أُسلِّمه إليه ولا إلى غيره أبدًا.

وقال أبو يعلى بن القلانسي: في يوم السبت السابع والعشرين من رجب هذه السنة ملكَ الأميرُ أبو الحسن علي بن المُقَلِّد بن منقذ حِصْنَ شَيزَر من الأسقف الَّذي كان فيه


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) تحرفت في (خ) إلى: وجهرت، والتصويب من (ب).
(٣) تحرفت في (خ) إلى: رزنة وعشاب، والمثبت من (ب)، وبَرْزبه: هكذا تقول العامة، وهي بَرْزُويَه: حصن قرب السواحل الشامية على سنِّ جبل شاهق، وعينُ تاب: قلعة حصينة بين حلب وأنطاكية، معجم البلدان ١/ ٣٨٣ و ٤/ ١٧٦.