للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على فرسخين وحلَّ بها، وضعُفَتْ نفسُه لمفارقة أُرْتُق بك، وعبر مسلم في العرب والأكراد وراء تُتُش إلى دمشق، فنزل على فرسخين منها.

وفي يوم الخميس ثالث شعبان جلس مؤيد الملك بن نظام الملك للعزاء بأخيه الأكبر جمال الملك، وركب إليه الوزير فخر الدولة وولده عميد الدولة، وكان جمال الملك قد خرج من نيسابور في رجب لاحقًا بالسلطان وابنِه، فعرض له قولنج كان يعتاده دائمًا، فنزل عن فرسه في خَرْكاة، واستدعى والدته من نيسابور، فلمَّا وصلت إليه قضى نحبَه، فدخلت عليه وكمُّه على وجهه، فظنَّت أنَّه نائم، فلمَّا طال عليها يَقَّظَتْه وكشفت عن وجهه فإذا به ميت، فخرجت حاسرةً قد حثَتِ الترابَ على رأسها، فلمَّا شاهدها أصحابُه وغلمانُه جزُّوا شعورهم، وحذفوا (١) خيولهم، وطرحوا ذلك على باب الخَرْكاة، فكان كالميل الأسود، وأُعيد إلى نيسابور فدُفن بها، وكان قد خرج منها خروج الملوك، فرجع كما قال (٢): [من مجزوء الرمل]

رُحْنَ في الوشيِ وأصبَحُـ … ـــنَ عليهنَّ المُسوحُ

كلُّ نَطَّاحٍ من الدَّهْـ … ـــرِ له يومٌ نَطوحُ

وقيل: إن السلطان أراد قتله؛ لأنه كان قد استولى على خراسان، فراعى قلب والده، فدسَّ إليه مَن سَمَّه.

وفيها فتح ابن قُتُلْمِش حِصْنَ طَرَسُوس من الروم، وبعث إلى ابن عمار وقاضي طرابلس يستدعي لها قاضيًا وخطيبًا.

وفي يوم الجمعة لخمسٍ إن بَقِينَ من شوال عبرَ قاضٍ أشعريٍّ -يُقال له: البكري- إلى جامع المنصور، ومعه الشِّحنة والأتراك، والعجمُ بالسلاح، وكان يذكر أنَّه من ولد أبي بكر ﵁، وكانت فيه حِدَّةٌ وجرأةٌ وطيشٌ وخِفَّة، وورد بكتب نظام الملك تتضمَّن الإذن له في الجلوس بالمدرسة النظامية والكلام بمذهب الأشعري، فجرى بينه وبين أصحاب ابن الفراء الحنبلي سيئاتٌ ورجم، وآل أمره إلى أن خرج من بغداد سابع عشر شوال إلى عسكر السلطان، وأُعطي من الديوان مئتا دينار وخمسُ قطع من الثياب،


(١) من الحَذْف: وهو القطع. اللسان، (حذف).
(٢) قائله أبو العتاهية، وهو في ديوانه ص ٩٨.