للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن الصابئ: وأقاموا بها يتجهَّزون، وقد اجتمع إليهم حشدٌ كبيرٌ إلى عشية السبت ثالث ربيعٍ الأول، وساروا نحو أصفهان في تحمُّلٍ كبير ومعهم ابنةُ الوزير نظام الملك زوجة عميد الدولة، وكان مسيرُهم ليلًا، واستُدعيَ تارَح الحاجب، وأُخِذت منه الكتب، ورُدَّت الأجوبة بكراهية بني جَهير والتماسِ إبعادهم، وأُعطي هذا الحاجب ثلاثَ مئة دينار، وفرسًا بمركب، وثيابًا؛ تطييبًا لقلبه، حيث لم يستَقِلْ من الديوان عند وروده، واستُنيب من الديوان مُنفِذٌ وناظرٌ أبو الفتح المظفر بن رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة، كان قبلَ ذلك على عمارة الدار وأحوال الخدم والخواص (١).

وفيها سلَّم ابنُ الصَّيقَل قلعة بعلبك إلى تاج الدولة تُتُش، كان مقيمًا فيها من قبل المصريين.

وفي ربيع الأول عاد مسلم من دمشق إلى حَرَّان عَجِلًا.

وقال أبو يعلى بن القلانسي: في سنة خمس وسبعين توجه تُتُش إلى الروم وفي خدمته وثَّاب بن محمود ومنصور بن كابل، فأقام هناك مدةً، واتصل به خبر مسلم وما هو عليه من الاحتشاد للنزول على دمشق، فعاد تُتُش فوصلها أوائل المُحرَّم هذه السنة، ووصل مسلم بن قريش (٢) وسار مُجِدًّا على دمشق، ووصل إليه جماعةٌ من عرب قيس واليمن، وقاتلَ أهلَ دمشق، وخرج إليه عسكر تُتُش والتقوا، وثبت مسلم، وقاتلت العرب، ثم انهزموا، وتضعضع عسكرُه، وأشرف هو على الأسْر، وتراجع أصحابُه، وكان قد اعتمد على نجدة المصريين فتقاعدوا عليه، وجاءه من بلاده ما شغل خاطِرَه، فرحل إلى مرج الصفر، ثم عاد إلى الشرق وجدَّ السير، فهلكت المواشي، وانقطع من الناس خلقٌ كثير من العطش، وخرجت به الطريق إلى قريب سلمية، فأنفذ وزيرَه صدقة إلى أن خلَّفَ ابنَ ملاعب المقيمَ بحمص، فخرج إليه، فأكرمه وخلع عليه، وقرَّر معه حفظ الشام الأسفل، وسار إلى الشرق، وخرج تُتُش إلى ناحية طرابلس، وافتتح حصن أنطرطوس وبعض الحصون وعاد إلى دمشق. وقيل: إنه قصد حلب، فلم يظفر منها بطائل.


(١) ينظر المنتظم ١٦/ ٢٢٧.
(٢) تحرف في (خ) إلى: يابس!.