للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها تغيَّرت نيةُ السلطان لنظام الملك ثم صَلُحت.

ذكر السبب:

كان أبو المحاسن بن أبي الرضا كاتبُ ديوان الرسائل قد نفق على السلطان وأخيه، ومال إليه، وأنس به، وعوَّل عليه، بحيث ينفرد بالأعمال، واطَّرح نظامَ الملك، وأطلق فيه لسانه، وضمَّنه بألف ألف دينار، وضمَّن أبا الرضا والدَه بخمس مئة ألف دينار، وكذا لشرف الملك أبي سعد المستوفي، فصنع نظام الملك سِماطًا عظيمًا ودعا السلطان إليه، فلمَّا أكل خلا به، وأقام مماليكُه الأتراكُ على خيولهم، وكانوا أكثرَ من ألف غلام وعليهم أسلحتهم وجنائبهم، وجمالهم وخيامهم عليها، وأزاح عللهم، ثم قال: أيها السلطان، إنني ما آخذه من عُشر أموال أُنفقه في هذا العسكر الَّذي تراه، وإنَّ جامَكياتهم تشتمل على مئين ألوف في كل سنة، وهؤلاء يقاتلون أعداء دولتك، ولو لم أدفع إليهم هذا المال من عندي لاحتجتَ إلى أن تعطيهم من خزانتك، وقد جمعتُهم وخيلَهم وسلاحَهم وجمالَهم وخيامَهم، فتقدَّم بنقلهم إلى مَنْ تراه من الحُجَّاب يصرف إليهم هذا العُشر الَّذي آخذه وأستريح أنا من التعب والخطر، ومع هذا فقد خدمتُ جدَّك وأباك، وشِخْتُ في دولتكم، وأنا واللهِ مشفقٌ من مُضيِّك على ما أنت ماضٍ عليه، وخائفٌ من عُقبى ما أنت خائضٌ فيه.

ثم قدَّم له من الجواهر والأموال والأمتعة ما ملأ عينه به، وضمن له أن يستخرج من المتكلمين فيه أموالًا كثيرة، فأطلعه السلطان على ما جرى، وحلف له، وقبض على أبي المحاسن وغيره واعتقلهم، وانتهى أمرُ أبي المحاسن إلى أن حُمِلَ إلى قلعة ساوة وقُوِّرَتْ عيناه بالسكِّين، وحُمِلتا إلى السلطان، فأمر أن تُطرحا لكلب صيد كان بين يديه، فأكلهما، ونسب نظامُ الملك ما جرى من أبي المحاسن إلى الخادم الَّذي خرج من دار الخلافة لعقد الأملاك، وأنه اجتمع مع أبي المحاسن على ذلك، وحمل له من الخليفة خِلْعةً في جملتها دواةٌ، وأنَّ الخليفة انحرف عن نظام الملك لما فعله من الجميل مع بني جَهير.

وفيها قدم سعد الدولة الكوهراني إلى بغداد نجدةً لابن جَهير، وقبَّحوا له أن يتَّبعه ويخدمه ويحملوا إليه عن الخليفة ما ألفته عن عزمه، فأقام يتعلَّل، ووصل ذلك نظام