للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمَّد بن أحمد (١)

ابن الحسن بن جردة، أبو عبد الله، البَيِّع البغدادي، أصله من عُكْبَرا، كان يتردَّد منها إلى بغداد يبيع الخام، وكان رأسُ ماله عشر نصافي، فبارك الله له، ووسَّع عليه، وأثرى حتَّى صارت بضاعتُه ثلاثَ مئة ألف دينار، وزوَّجه الشَّيخُ الأجلُّ أبو منصور ابنتَه، وكان جليلًا، نبيلًا، جوادًا، سمحًا، مُحبًّا للعلماء، وما خرج عن ملبوس التجار، ولا غيَّر زيَّه، وبنى مسجده بالرَّيحانِيّين، وهو الذي قال فيه ابن البياضي: [الخفيف]

حبَّذا مسجدٌ بنهر مُعلَّى

الأبيات

وخَتَم في هذا المسجد مئةَ ألفٍ في مئةِ ألفِ خَتمة على مدى الأنفاس، وكانت صدقاتُه دارَّةً على الفقراء والمساكين والأرامل، وكانت أكثرُ صدقاته سِرًّا على أرباب البيوت، وكانت دارُه بباب المراتب بمقدار الجامع فيها ثلاثون دارًا، ولها بابان، على كلِّ باب مؤذن، إذا أذَّن أحدُهما لا يسمعه الآخر.

ولمَّا دخل البساسيري بغداد ونهب دارَ الخليفة خرجت خاتون زوجةُ القائم إلى دار ابن جردة، فخدمها وأحسنَ إليها، وحمل إلى قريش عشرةَ آلاف دينار حتَّى سمى داره من النهب، فلمَّا اجتمعت خاتون بالسلطان طُغْرُلْبَك حكَتْ له ما فعل ابنُ جردة معها، فلمَّا دخل طُغْرُلْبَك بغداد جاء بنفسه إلى دار ابن جردة شاكرًا له.

وكانت وفاتُه في ذي القعدة، ودُفن في التوبة الملاصقة لتربة أبي الحسن القزويني الزَّاهد في الحربية رحمة الله عليه.

[السنة السابعة والسبعون والأربع مئة]

فيها في المُحرَّم ورد الخبرُ بأن تُتُش ورد من دمشق إلى أنطرطوس، فحصرها وأخذها من ابن ملاعب، وسلَّمها إلى جلال الملك بن عمار صاحب طرابلس، وأخذ منه مالًا، وكان قد سأله ذلك وعاد إلى دمشق.


(١) المنتظم ١٦/ ٢٣٢ - ٢٣٣.