للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من باب الرباط، وقال للطُّرَيثيثي: يا أبا بكر، قد امتثلتُ ما رسمتَ. ثم جاء الغرق سنة سبع وستين فهدم الرباط، فأعاده أحسن (١) ما كان، وقال ولدُه (٢) أبو البركات: لمَّا غرقت بغداد كان الماء يدخل إلى الدور من السطوح، فأخرب الجانبَ الشرقيَّ، فاكترى أبي زورقًا وحُملنا والصوفيةَ فيه، والماءُ يرمي الحيطان، ويحدر الأخشابَ والأبوابَ والجذوعَ إلى البطائح والبحر، فقال أحمد بن زهير الصُّوفي لوالدي: يا أبا سعد، لو اكتريتَ مَنْ يجمعُ هذه الأخشاب في مكان، فإذا نقص الماء بنيت بها الرباط ثانيًا. فقال له أبو سعد: هذا زمانُ تفرقة لا زمانُ جمع، فإذا جاء وقت الجمع جمعنا.

واجتاز أبو سعد بالسوق قبل أن يبني الرباط، فرأى الخبز النقي، وكان من عادة الصوفية أكل الخشكار، فقال: إنْ قُدِّر لي بناء رباط لأشرُطَنَّ في سجلِّه أن لا يطعم الصوفية إلَّا الخبز النقي، فهم الآن على ذلك.

وكانت وفاتُه ليلة الجمعة في ربيع الآخر، ودُفِنَ بمقبرة باب أبرز قريبًا من أبي إسحاق الشيرازي، وقد أناف على السبعين، وأوصى أن يُقام ولدُه مقامَه، وله اثنتا عشرة سنة، ومولده سنة خمس وستين وأربع مئة.

نشأ ببغداد، وسمع الحديث، وزار القدس، ونزل بخانكاه السُّمَيساتي بدمشق وعاد إلى بغداد و [قد] (٣) صار شيخَ الشيوخ بها.

وكتب إليه أبو القاسم [عبد الله بن القاسم] بن علي الحريري: [من الطَّويل]

سلامٌ كأزهارِ الربيعِ نضارةً … وحُسْنًا على شيخِ الشيوخِ الذي صفا

و [لو] لم يَعُقْني الدَّهرُ عن قصدِ رَبْعِهِ … سعيتُ كما يسعى المُلبِّي إلى الصَّفا

ولكِنْ عداني عنه (٤) دهرٌ مُكَدَّرٌ … ومَنْ ذا الذي واتاه في دهره الصَّفا


(١) في (ب): مثل، وفي المنتظم: أجود.
(٢) في (خ): لولده، والمثبت من (ب).
(٣) ما بين حاصرتين هنا وفي الموضعين الآتيين من (ب).
(٤) في الأصلين (خ) و (ب): عذلني عنده، ولا يستقيم الوزن ولا المعنى، والمثبت من معجم الأدباء ١٦/ ٢٧٣ والأبيات فيه.