للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصفهان، ووصل إلى تكريت تاسع رجب، وصنع له مؤيد الملك بن نظام الملك سِماطًا بهاءً (١) وحضره السلطان، وكانت تكريت بيد مؤيد الملك، وسار من الغد إلى الموصل، ولقيه في طريقه قومٌ من العرب، وسألوه أن يُعطيَهم أمانًا لمن في الجزيرة، فأعطاهم نُشَّابًا يُفرِّقونه في حِلَلهم، لئلا يتعرَّض لهم أحدٌ، وجاءه بدوي فقال: يا سلطانَ العالم، أخذ بعضُ الغلمان رمحي. فأمر الشاوشيَّة بالبحث عنه، فأحضروا الغلام والرمح بيده، فأمر بقطع يده، وقال للبدوي: ضَعْها على رأس الرمح، وطُفْ بها في الحِلَل ليطمِئنُّوا. ففعل، وسار من الموصل يوم الأحد الحادي والعشرين من رجب، وجاء أهل الرُّها في بذل تسليمها، فأنفذ إليها أحد العمداء، وكان الفردوس الذي بأنطاكية قد عامل أهلَها بما عامل به أهل أنطاكية، وسار السلطان إلى قلعة جَعْبَر، وكان بها لصوص يقطعون الطَّريق، فعصَوا عليه، فقاتلهم، وخرجوا إليه من الباب، واشتدَّ القتال، فما شعروا إلَّا بثلاثةٍ من الغلمان قد صَعِدوا السُّور من مكان ما كان يُظَنُّ أنَّ مخلوقًا يصعد منه، فبهت الخارجون، ونادى الغلمان بشعار السلطان، وحملَ العسكر، فحالوا بين المقاتلة والباب فقتلوهم، وقُتِلَ جَعْبَر ومَنْ كان بها من المفسدين، وصَعِدت زوجة متقدمهم إلى رأس القلعة، وألقَتْ نفسَها إلى الأرض، فانكسرَتْ ساقُها وسلِمَت، وبلغ السلطان فأحضرها، وقال لها: لِمَ خاطرتِ بنفسكِ؟ فقالت: خِفْتُ الفضيحة، فاخترتُ القتلَ عليها. فعجب وقال: من [أين] (٢) أنت؟ فقالت: من دمشق. فأمر بحملها إلى أهلها.

وسار السلطان إلى حلب، فنزل إليه من القلعة سالم بن مالك العقيلي، وكان بها من قبلُ مسلم بن قريش قد عصى على تُتُش وغيره، وحفظ القلعة، وشكر السلطانُ له ذلك، فأعطاه قلعة جَعْبر، فهي تُعرَفُ ببني مالك، وأعطاه عانة وهيت، وجاءت رسل تُتُش إلى أخيه بإظهار الطاعة، وسأل أن يكون مقيمًا بإقطاعه أو ينصرف إلى مكان يأمن فيه، فأجابه السلطان بما يُطيِّب قلبه، وسار السلطان إلى أنطاكية، فخرج إليه العميد نائب سليمان بن قُتُلْمِش، وأخذ الأمان لبني سليمان وأهل البلد، ورحل السلطان إليها


(١) أي: ابتهاجًا.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).