للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال التَّمِيمِيّ: كان نظامُ الملك مُمدَّحًا، يقال: إنَّ مُدَّاحه كانوا خمسة آلاف وزيادة، والقصائد التي مُدِح بها ثلاث مئة أَلْف قصيدة.

وقال علي بن عقيل: رأينا فِي زماننا فِي أوائل أعمارنا أُناسًا طاب العيش معهم من العلماء والزَّهاد وأعيان النَّاس، وأما نظام الملك فإنَّ سيرته بهرت العقول جودًا وكرمًا وحشمةً وإحياءً لمعالم الدين، فبنى المدارس، ووقف عليها الوقوف، وأنعش العلم وأهله وعمَّ الحرمين، وأكثر الصدقات، وفتح أبواب البر والصِّلات، وكانت أسواق العلم فِي أيامه قائمة، وما ظنُّكَ برجل كان الدهر فِي خفارته؛ لأنه قد أفاض من الإنعام ما أرضى به النَّاس، وإنما كانوا يذمُّون الدهر لضيق الأرزاق واختلال الأحوال، فلمَّا عمَّهم إحسانُه سكتوا عن ذمِّ الدهر، وتُرِكَ النَّاسُ بعده موتى، أمَّا أهل العلم والفقر ففقدوا العيش بعده بانقطاع الأرزاق، فمات العلم، وأمَّا الصدور والأغنياء (١) فكانوا مستورين بالغَناء عنهم، فلمَّا عرضت الحاجات إليهم عجزوا عن تحمُّلِ بعض ما عوَّدَ نظام الملك من الإحسان، فانكشفَتْ أحوالُهم، وبانت معايبُهم، وضيقُ أخلاقِهم، فهؤلاء موتى بالذمِّ، والآخرون موتى بالحاجة، وأما هو فحيٌّ بعد موته بمدح النَّاس لأيامه، ثم خُتِمَ له بما خُتِمَ من الشهادة، فكفاه أمرَ أخراه كما كفى أهلَ العلم أمرَ دنياهم، ولقد كان نعمةً من الله على أهل الإِسلام فما شكروها، فسُلِبوها.

ذكر أعيان شعرائه وأصحابه:

منهم أبو طالب علي بن الحسن العلوي، مدحه بأبيات (٢) فقال: [من الوافر]

نظامُ المُلكِ عِشْتَ مع السرورِ … مُوفَّى الدَّستِ محفوظَ السَّريرِ

ودُمْتَ مُخلَّدًا ملِكًا عزيزًا … دوامَ الطينِ فينا والسَّريرِ

ومَنْ والاكَ مرفوعُ السَّواري … ومَنْ عاداكَ مقطوعُ السَّريرِ

عليُّ القَدْرِ منصورُ السرايا … إِلَى أن ينمحي أثرُ السَّريرِ

ولا زالتْ أياديك اللَّواتي … إذا عُدَّتْ تزيدُ على السَّريرِ

لتحيا فِي ذُراكَ الخلقُ طُرًّا … حياةً فِي النعيمِ وفي السَّريرِ


(١) العبارة فِي (خ): وأنا الصدور ففقدوا العيش بعده! والمثبت من (ب).
(٢) بعدها فِي (خ) كلمتان غير واضحتين.