للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحقِّ مُعطيكَ هذا الحُسنَ صِلْ دَنِفًا … فإنَّني منكَ غَيرَ الوصلِ لا أسَلُ

وقال: [من الخفيف]

صِرْتُ فِي النَّاس أجنبيًّا لأنِّي … فِي زمانٍ لم ألْقَ فيه وفيَّا

فيه غدرٌ وفيَّ حُسْنُ وفاءٍ … فتأمَّلْ ما قلتُ فيهِ وفِيَّا

المقتدي بأمر الله (١)

عبد الله بن محمَّد الذخيرة بن القائم بأمر الله، وكنيته أبو القاسم، ومولده فِي جمادى الآخر سنة ثمان وأربعين وأربع مئة، وأمه أُرْجُوان أمُّ ولد، أرمينية. وقيل: قرة العين.

كان من رجال بني العباس، له همَّة عالية، وشجاعةٌ وافرة، وفي زمانه قامت حشمة الدولة العباسية، وخُطِبَ له فِي الشرق بأسره، وبما وراء النهر وغَزْنة والهند والصين والجزيرة والشَّام واليمن، وكانت أيامُه كثيرةَ الخيرات، عمرت فيها بغداد، واسترجع المسلمون الرُّها وأنطاكية فِي خلافته، وكان قد تقرَّر مع السلطان بركياروق لمَّا قدم بغداد أن يحمل مال البيعة وأن يخطب له بالسلطنة على رسم أَبيه، وتقدم إِلَى أبي سعيد بن الموصلايا أن يكتب عهده، فكتبه، وهُيِّئت الخِلَع، وذلك يوم الجمعة رابع عشر المُحرَّم، وحُمِلَ العهدُ إِلَى الخليفة فِي هذا اليوم، فوقع فيه وتأمل الخِلَعَ، ثم قُدِّمَ إليه طعامٌ فتناول منه ثم غسل يده، وأقبل على النظر فِي العهد وبين يديه شمس النهار القهرمانية، فقال لها: من هؤلاء الأشخاص الذين دخلوا علينا بغير إذن؟ قالت: فالتفتُّ فلم أرَ أحدًا. وتغيَّرت حالُه، واسترخَتْ يداه ورجلاه، وانحلَّت قُواه، وسقط إِلَى الأرض، فظننتُها غشيةً، ومرةً غلبت عليه، فحللتُ إزاره، فوجدتُه ليس فيه عرق يضرب، فتيقَّنتُ موتَه، فسكنتُ وتماسكتُ، وكانت عندي جاريةٌ، فقلت لها: ليس هذا وقت الجزع، فإن صِحْتِ قتلتُكِ، وأفردْتُها فِي حجرة، وغلقتُ عليها الباب، ثم استدعيتُ يمن الخادم صهري على ابنتي، وقلت: أحضِرْ لي عميد الدولة. فحضر عند


(١) المنتظم ١٧/ ١٤، والكامل ١٠/ ٢٣١ - ٢٣٣.