للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصل الصابئة: من صَبأ، إذا مال إلى ما يهواهُ.

واختلف العلماء فيهم (١)، فقال مقاتل: هم صنفٌ من النصارى وافقوهم في بعض الأحكام وخالفوهم في البعض، وهو قولٌ عن الشافعي وأحمد.

وقال ابن زيد: هم يعبدون الكواكب، ويقرؤون الزَّبور، والكواكبُ عندهم الآلهةُ المدبِّرات للعالَم.

وقال عبيد بن عمير (٢): كانوا فبانوا وذهبوا فلم يبقَ لهم عينٌ ولا أثرٌ.

قلت: وليس كما ذكر، فإن الصابئةَ اليوم بأرض البطائح منهم خلق كثير، وهم الذين يُسَكِّرون الأنهار، ولا يُطلِعون أحدًا على مذاهبهم، فانتقلوا عن حَرَّانَ إلى العراق.

وأما حكم مناكحتهم فعند أبي حنيفة: هم قومٌ يقرؤون الزَّبُور، ولا يعبدون الكواكب بل يُعظِّمونها، كما يعظِّم المسلمون الكعبةَ، ومخالفتُهم للنصارى في بعض الأحكام لا يُخرِجُهم من أن يكونوا من جُملتهم، كنصارى بني تَغلب، فإنهم يُخالفون النَّصارى في الخمور والخنازير، وهم من جملتهم، وإذا كان لهم كتاب، وهو الزَّبور فتجوز مناكحتهم كاليهود مع النصارى، إلا أنه يكره مناكحتُهم للخلاف.

وعند أبي يوسف ومحمد: يعبدون النجوم، ويخالفون اليهود والنصارى في عقائدهم، فلا يكونون من جملتهم، وإذا كانوا يعبدون الكواكب فهم عبَّاد الأوثان، فلا يجوز مناكحتهم، واتفقوا على أنهم لو كانوا يعبدون الكواكبَ ولا كتاب لهم، أنه لا يجوز مناكحتُهم.

وقال بعضُ المشايخ: لا خلافَ على حقيقة؛ لأنَّ أبا حنيفةَ أجاب في فِرقةٍ لها كتابٌ، وهما أجابا فيمن ليس له كتابٌ وهو يعبُد الكواكب، فحينئذٍ ليس بينهم خلاف،


(١) انظر في ذلك تفسير الطبري ٢/ ١٤٦ - ١٤٧، وزاد المسير ١/ ٩٢، وتلبيس إبليس ص ٧٣، وتفسير القرطبي ٢/ ١٦١ - ١٦٢ (طبعة الرسالة)، والرد على المنطقيين لابن تيمية ٢٨٧، وأحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية ١/ ٩٢، وتفسير ابن كثير (البقرة ٦٢).
(٢) في (خ): بن عبيد، والمثبت من (ب).