للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعهد، فقبض عليه وحبسه وضيَّق [عليه (١)] وقال: سَلِّم إليَّ المعرة. فقال: أنا واحد من بُناة المعرة. فقطع عليه خمسة آلاف دينار مصرية، ولم يكن يُعرف بالشام غير الذهب المصري، فكتب ابنُ سليم إلى عمه نصر (٢) -وكان ابنُ سليم فقيرًا لكثرة ما يُعطي الناس-: [من السريع]

يا نصرُ يا ابنَ الأكرمينَ ومَنْ … ملَكَ التِّلادَ بطارفِ (٣) الفخرِ

هذا كتابٌ من أخي ثقةٍ … هذا أوانُ النَّفعِ والضرِّ

فامنُنْ بما أوليتَ من حَسَنٍ … أشكو إليكَ نوائبَ الدَّهرِ

فبعث إليه بستةِ آلاف دينار، خمسةِ آلاف خلَّص بها نفسه، وبقي معه ألفُ دينار، ولمَّا تُوفِّي نصر وجدوا في خريطته اسم البيوت التي يتفقَّدها في كل سنة ويُموِّنها من الشام والساحل وحلب ودمشق والقدس ومصر وبغداد ومكة والمدينة وخراسان وأصفهان والمشرق، فكان جملة ما يخرج عليهم في كل سنة عشرين ألف دينار، ولمَّا مات أخرج كل ما خلَّفه والدُه أبو الحسن، ومغلَّ عشر قلاع كانت تحت يده؛ حصن الجسر وشَيزَر وفامية وكفر طاب وعَلَّان وأسقوبا واللاذقية وغيرها، وبقي عليه سبع مئة دينار سُلِّم إلى أربابها مِلْكٌ استغلُّوه حتَّى استوفوا مالهم.

وكان يركب في عشرة آلاف فارس من كتابة الأوائل.

قال مرشد بن علي: دخلت عليه يومًا وهو نائم وقد كادت صلاة الصبح أن تفوته، فقلتُ لأمرأته: أينامُ أخي حتَّى تطلع الشمس وتفوته صلاة الصبح؟ فقالت: قد صلَّى العشاء الآخرة ولم يضَعْ جنبه إلى الأرض حتَّى صلَّى الصبح ونام، وهذا دأبُه منذ صَحِبتُه.

قال مرشد: أنشدت أخي أبا المرهف قول القائل: [من الخفيف]

كُنْتُ استعمِلُ السَّوادَ مِنَ الأمـ … ـشاطِ والشَّعرُ مثلُ لونِ الدَّياجي


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) العبارة في (ب): فكتب ابن سليم إلى عمر.
(٣) التِّلاد: القديم، والطارف: الجديد.