للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبيها في ذلك، فيقول: ما تقولين في يد فلان؟ وما الذي قد جاءه فلان، أو هذا الرجل؟ فتجيبُ على مِقدار ما اتَّفقا عليه من التَّراجم، أو يكون من باب السِّحْر، وليس من باب الكرامات، لأنَّ شرائِطَ الكرامات مَعْروفةٌ] (١).

وفيها (٢) سار بغدوين إلى ظاهر صور، ونزل قريبًا منها، وشَرَعَ في بناء حِصن على تلِّ المعشوقة، وأقام شهرًا، فقاطَعَه والي صور على سبعة آلاف دينار، فأخذَها ورَحَل (٣).

وفي شعبان اشتدَّ الأمرُ بفخر المُلْك صاحِبِ طَرَابُلُس من مجيء الفرنج وتمادي العساكر إليه (٤)، فخَرَجَ من طَرَابُلُس في خمس مئة فارس وراجل، ومعه هدايا وتُحَف أعدَّها للخليفة والسُّلْطان، فجاء إلى دمشق، ونزل بظاهرها، والتقاه طُغْتِكِين، وأكرمه وخَدَمَه، وحَمَلَ إليه الهدايا والألطاف، وكذا جميع الأمراء، وكان لمَّا خَرَجَ من طَرابُلُس استناب ابنَ عَمِّه أبا المناقب ووجوه أصحابه في حِفْظها، وأطَلَقَ لهم واجبَ سِتَّةِ أشهر، واستَحْلَفَهم وتوثَّق منهم، فعصاه ابنُ عمه، وأظهر شِعار الأفضل (٥)، وعَلِمَ فخرُ المُلْك، فكتَبَ إلى أصحابه يأمرهم بالقَبْضِ عليه، وحَمْلِهِ إلى حِصن الخوابي، ففعلوا به ذلك.

وسار فَخرُ المُلْك إلى بغداد ومعه تاجُ الملوك بُوري بن طُغْتِكِين، وكان جماعةٌ ممن يَحسُدُ طُغْتِكين قد سَعَوا به إلى السُّلْطان ليُفْسِدُوا حاله عنده، فأصَحَبَ ولدَه من الهدايا والتُّحَف والخيول والثِّياب وغير ذلك مما يحسن إنفاذه، واسْتَوزَرَ له أبا النَّجم هبة الله بن محمَّد بن بديع الذي كان مستوفيًا لتاج الدَّوْلة (٦)، وجَعَله مُدَبِّرًا لأمره، وسفيرًا بينه وبين مَنْ أُنفذ إليه، وتوجَّها في رمضان، فلما وصلا بغداد لقي فخر المُلْك من السُّلْطان من الإكرام والاحترام ما زاد على أمله، وتقدَّم إلى جماعةٍ من أكابر الأمراء بالمسير معه لمعونته وإنجاده، وأمَرَهُمْ بالإلمام بالمَوْصِل، وانتزاعِها من يد جاولي سقاوة، ثُمَّ


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (م): فصل وفيها.
(٣) انظر "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٢٥٥، و"الكامل" لابن الأثير: ١٠/ ٤٥٥ - ٤٥٦.
(٤) كذا في النسخ (ع) و (ب)، وعند ابن القلانسي: "وتمادي الترقب لوصول الإنجاد، وتمادي تأخر الإسعاد".
(٥) هو أمير الجيوش بمصر أبو القاسم شاهنشاه بن بدر الجمالي، وسترد ترجمته في وفيات سنة (٥١٦ هـ).
(٦) يعني تاج الدولة تُتُش بن ألب أرسلان، وقد قتل سنة (٤٨٨ هـ)، وسلفت أخباره ثمة.