للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشيرُ به من وظائف العبادات، واستدامةِ الذِّكْر إلى أن جُزْتُ تلك العِقاب، وتكلَّفْتُ تلك المَشَاقَّ، وما حَصَّلتُ على ما كنتُ أَطلُبُه. ثُمَّ إنَّه نظر في كتاب أبي طالب المكيّ، يعني "القُوت" وكلام المتصوفة القُدماء، فاجْتَذَبه ذلك بمرَّةٍ عن الفقه.

وذكر في كتاب "الإحياء" من الأحاديث الموضوعة وما لا يَصِحُّ غيرُ قليل، وسَبَبُه قِلَّةُ معرفته بالنَّقل، فليَتَه عَرَضَ تلك الأحاديث على من يَعرف، وإنما نَقَلْ نَقْلَ حاطبِ ليل (١).

وذكر في آخر "مواعظ الخلفاء" فقال: روي أنَّ سُلَيمَان بنَ عبد الملك بَعَثَ إلى أبي حازم: ابعث إليَّ من إفطارك. فبعثَ إليه نُخالة مَقْلُوَّة، فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يفطر، ثم أفْطَرَ عليها، وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز فلما بلغ، وُلدَ له عمر بن عبد العزيز.

وهذا من أقبح الأشياء، لأنَّ عمر ابنُ عَمِّ سليمان، وهو الذي ولاه الخلافة، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديثُ من يعرف [من] النقلِ [شيئًا] (٢) أصلًا (٣).

وكان بعضُ النَّاس قد شُغِفَ بكتاب "الإحياء"، فأَعْلمتُه بعيوبه، ثم كتبتُه [له] (٢)، وأسقطتُ ما يَصلُح إسقاطُه، وزِدْتُ ما يصلح أن يُزَاد (٣). وأُحرِقَ كتابُ "الإحياء" في المَغرب مَرَّتين.

ثم إنَّ أَبا حامد عاد إلى وطنه مشغولًا بتعبُّده، فلما صارتِ الوزارة إلى فخر المُلْك أحضره وسَمِعَ كلامه، وأخرجه إلى نَيْسابور، فخرج، ودرَّس، وعاد إلى وطنه، واتخذ في جواره مدرسةً، ورِباطًا للصُّوفية، وبنى دارًا حَسَنة، وغَرَسَ فيها بُستانًا، وتشاغَلَ بحفظِ القرآن، وسَمَاعِ الحديث.

وحُكِيَ عن أبي منصور الرَّزَّاز الفقيه، قال: دخل أبو حامد بغداد، فقدَّمنا ملبوسَه ومركوبه بخمس مئة دينار، فلما تزهَّد وسافر عاد إلى بغداد، فقدَّمنا ملبوسه بخمسة عَشَرَ قيراطًا (٣).


(١) "المنتظم": ٩/ ١٦٩.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) "المنتظم": ٩/ ١٧٠.