للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيرِها من البلاد، وأمر لهم أتابك بإطلاق ما يستدعونه لسفرهم، واستصحبوا معهم أمواله وجواريَه، وأسبابه، ولم يزل مدفونًا حتَّى بعثتْ زوجتُه وولدُه من المَوْصِل في شهر رمضان مَنْ حَمَلَه في تابوتٍ إلى المَوْصِل، وشيَّعه أتابك إلى الثَّنِيَّة (١).

وكان سأله أتابك يوم جُرِحَ أَنْ يُفْطر وكان صائمًا، فلم يفعل، وقال: والله لا لَقِيتُ الله إلَّا صائمًا.

وكتَبَ بغدوين ملك الفرنج إلى طُغْتِكِين: إنَّ أمةً قتلَتْ عميدَها في يوم عيدها في بيتِ معبودها لحقيقٌ على الله أن يبيدَها (٢).

وقيل: إنَّ هذه الواقعة كانت سنة خمسٍ وخمس مئة، وذكر بعضُهم أَنَّ أتابك خافَ منه فوضَعَ عليه مَنْ قَتَلَه، وليس بصحيحٍ، فإنَّه كان أحَبَّ النَّاس له، وحَزِنَ عليه حُزْنًا عظيمًا، وشَقَّ ثوبه عليه، وجَلَسَ في عَزَائه سبعةَ أيام، وتصدَّق عنه بمالٍ جزيل.

وبلغ السُّلْطان [محمد شاه] (٣) ما جرى، فأقطع المَوْصل والجزيرة لآق سُنْقُر البُرْسُقي، وأمره بتقديم عمادِ الدِّين زَنْكي [والد نور الدين محمود رحمة الله عليه] (٣) والرجوع إلى إشارته لما ظَهَرَ منه من النَّهْضة والكفاية ويُمْنِ النَّقيبة (٤).

السَّنة الثَّامنة وخمس مئة

فيها كانت زلزلة عظيمة بالجزيرة، هَدَمَتْ مُعْظَمَ أسوار الرُّها وحَرَّان، ووقعتْ دورٌ كثيرة، وحرقتِ الفرات، فهدمت في بالس مئة دار، وقلبت بنصف القلعة، وخَسْف بسُمَيساط وغيرها (٥).


(١) هي ثنية العُقاب: وهي في طريق المقاصد من دمشق إلى حمص، انظر "معجم البلدان": ٢/ ٢٨٥، وانظر "ذيل تاريخ دمشق": ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٢) انظر "الباهر": ١٩، و"الكامل": ١٠/ ٤٩٧، و"كتاب الروضتين": ١/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) وهم سبط ابن الجوزي في قوله: فأقطع الوصل والجزيرة لآق سنقر البرسقي، وقال نحو ذلك ابن الأثير في "الكامل" ١٠/ ٥٠١، أما في "الباهر": ١٩ - ٢٤ فقد ذكر أن الذي ولاه السلطان الموصل بعد مقتل مودود هو جيوش بك، وسير معه ولده الملك مسعود، ثم إنه جهز آق سنقر في العساكر، وسيره إلى قتال الفرنج، وكتب إلى عساكر الموصل وغيرها يأمرهم بالسير معه، فساروا وفيهم عماد الدين زنكي، ثم لما تُوفِّي السلطان محمَّد سنة (٥١١ هـ)، وولي ابنه السلطان محمود وليَّ آق سنقر الموصل وأعمالها سنة (٥١٥ هـ)، وأمره بحفظ عماد الدين زنكي، والوقوف عند إشارته، وانظر تفصيل ذلك أَيضًا في "كتاب الروضتين": ١/ ١٠٦ - ١١٣ بتحقيقي.
(٥) انظر "المنتظم": ٩/ ١٨٠ - ١٨١.