للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان

[سبط ابن الجوزي]
  1. الرئيسية
  2. أقسام الكتب
  3. التاريخ

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:
فهرس الكتاب السنة العاشرة وخمس مئة عقيل بن علي [بن عقيل] بن محمد بن عقيل
+ - التشكيل

ولما أرادوا غَسْله خَرَجَ أبوه إلى المسجد، فجلَسَ وعنده النّاس، فقرأ قارئ: ﴿يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيخًا كَبِيرًا﴾ [يوسف: ٧٨] فَضَج النَّاس بالبكاء، فقال له ابنُ عَقِيل: إنْ كان قَصدُك بهذا تهييج الأحزانِ فهو نياحة، والقرآن ما نَزَل للنياحة، وإنما نزل لتسكين الأحزان. فسكت القارئ، [وإنما قصد ترقيق القلوب، فيبكي كل من حضر، لأن كل واحدٍ لا يخلو من شَجَن، فإذا وقع التَّساوي في البكاء حَسُنَ التأسي. وفيه أيضًا تخجيل للقارئ وتبكيته، وليس ذلك من مكارم الأخلاق، ولا من باب التودُّد، وفي الجملة فالجَزَعُ أحسنُ من هذا التَّجلُّد، وقد بكى النبي Object عند موت ولده إبراهيم .. الحديث] (١) (٢).

وكان لابن عقيل ولد آخر كُنْيتُه أبو منصور، مات سنة ثمان وثمانين وأربع مئة، وحَزِنَ عليه. قال: فتعزَّيتُ عنه بقِصَّة عمرو بن عبد وَدّ [العامريّ] (١) الذي قتله عليّ Object يوم الخندق، فقالت أخته [ترثيه] (١) [من البسيط]

لو كان قاتِلُ عمرو غَيرَ قاتلِهِ … لطَال حُزني عليه آخِرَ الأبَدِ

لكنَّ قاتِلَه مَن لا يُقادُ به … مَنْ كان يُدْعى أبوه بيضَةَ البَلَدِ (٣)

قال: فقلتُ سبحان الله!

[من الطويل]

كَذَبْتُ وبَيتِ الله لو كنتُ صادقًا … لما سَبَقَتْني بالبكاءِ الحمائِمُ

وذلك لأن أُخت عمرو سَلَّاها وعَزَّاها جلالةُ القاتل، والافتخار بأَنَّ أخاها مقتولُه، فهلَّا نَظَرْتُ إلى قاتِلِ ولدي، وهو الأبَديُّ القديم، فهانَ عليَّ الأمر (٤).

(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) فيما أخرجه البخاري في صحيحه (١٣٠٣) من حديث أنس بن مالك، قال: دخلنا مع رسول الله Object على أبي سيف القين -وكان ظئرًا لإبراهيم Object فأخذ رسول الله Object إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك -وإبراهيم يجود بنفسه- فجعلت عينا رسول الله Object تذرفان، فقال عبد الرحمن بن عوف Object: وأنتَ يا رسولَ الله! فقال: يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال Object: "إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
(٣) البيتان بنحو هذا اللفظ في "الأضداد" لابن الأنباري: ٧٧، "شرح المرزوقي لحماسة أبي تمام": ٢/ ٨٠٤، و"أمالي المرتضى": ٢/ ٧ - ٨، و"اللسان" (بيض)، وقيل: إن الأبيات لامرأة من العرب غير أخته.
(٤) انظر "المنتظم": ٩/ ١٨٦ - ١٨٨.

<<  <  ج:
ص:  >  >>