للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها توفي أحمد بن عبد الله أبو العباس المستظهر بالله (١)

كان كريمَ الأخلاق، لَيِّنَ الجانب، جَوَادًا، سَمْحًا، حافظًا للقرآن، مُحبًّا للعلماء والصَّالحين، مُنْكرًا للظُّلْم، فصيحَ اللِّسان، وله شِعْرٌ، فمنه قولُه: [من البسيط]

أذابَ حَرُّ الهوى في القَلْب ما جَمَدا … يومًا (٢) مَدَدْتُ إلى رَسْمِ الوَدَاعِ يدا

وكيف أَسْلُكُ نَهْجَ الإصطبارِ وقد … أرى طرائِقَ في مهوى الهوى قِدَدا

إن كنتُ أنْقُضُ عَهْدَ الحُبِّ يا سَكَني … مِنْ بعد حُبِّي فلا عاينتكُمْ أبدا (٣)

وكان شِبْل الدولة مقاتل بن عَطِيَّة البَكري (٤) من كبار الأُمراء، مُقَدَّمًا في العرب، فاضلًا، عَزَمَ على الرِّحْلة من بغداد إلى كَرْمان منتجعًا مُكَرْم ابن العلاء، فكتَبَ قِصَّةً بخطه: يا أبا الهيجاء، أَبعدتَ النُّجْعة، أَسَرَعَ اللهُ بك الرُّجعة، وفي ابنِ العلاء مَقْنَع، وطريقه في الخير مَهْيع، وما يسديه إليك تستحلي ثمرةَ شُكْره، وتَستَعذِبُ مشارب بِرِّه. فلما وَصَلَ إلى مُكْرم عَرَضَ عليه الرُّقْعة، فقامَ من دَسْتِهِ إجلالًا وتعظيمًا لخط الخليفة، واستدعى في الحال بدست من ثيابه، وألف دينار وفرسٍ من مراكبه، فدفعه إليه، ثم عاد إلى مكانه، فأنشده: [من المتقارب]

دعَ العِيْسَ تَذْرَعُ عُرْضَ الفَلا … إلى ابنِ العلاءِ وإلا فلا

فأعطاه ألفًا أخرى، وألفًا أخرى، وثيابًا وخيلًا وتُحَفًا وطُرَفًا، وأغناه غَناء الأبد، وقال له: دُعاءُ أَمير المؤمنين مستجاب متقبَّلٌ، وقد دعا لك بسرعة الرُّجْعة، فارْجعْ، ولولا ذلك لأقمتَ عندي سنةً، فرجع، وكان ذلك في سنة خمسٍ وخمس مئة (٥).


(١) له ترجمة في "خريدة القصر" قسم شعراء العراق: ٢/ ٢٦ - ٢٩، و"المنتظم": ٩/ ٢٠٠، و"الكامل": ١٠/ ٥٣٤ - ٥٣٦، و"النبراس": ٤٥ ١، و"سير أعلام النبلاء": ١٩/ ٣٩٦ - ٤١٢، وفيه تتمة مصادر ترجمته، وقد سلفت أخباره على السنين في هذا الكتاب.
(٢) في "الكامل": ١٠/ ٥٣٦: لما.
(٣) الأبيات في "الخريدة" ٢/ ٢٧ - ٢٨ مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(٤) سلفت ترجمته ص ٥٥ من هذا الجزء.
(٥) انظر "وفيات الأعيان": ٥/ ٢٥٧ - ٢٥٨.