للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الثَّالثة عشر وخمس مئة

فيها انفصل الأَمير أبو الحسن بن المستظهر عن الحِلَّة في صَفَر، ومضى إلى واسط، ودعا إلى نفسه، واجتمع معه جماعةٌ، وملك واسطًا، وهرب العُمَّال، وجبى السَّواد، فَشَقَّ ذلك على الخليفة، وبعث ابنَ الأنباري كاتبَ الإنشاء إلى دُبَيْس، وقال: أنا مُعَوِّل في هذا الأمر عليك. فقال: سَمْعًا وطاعة. وأنفذ صاحب جيشه عنان في جَمْعٍ كثير، فلما بلغَ أبا الحسن، رحَلَ مِنْ واسط منهزمًا في عسكره في الليل، فَضَلُّوا عن الطَّريق، وساروا ليلَهُمْ أجمع، ثُمَّ أَصبحوا عند واسط، فلاحَ لهم عسكرُ دُبَيْس، فانحرفَ أبو الحسن عن الطَّريق، وتاه في البَرِيَّة في عددٍ من خواصِّه، وكان في تموز، ولم يكن معهم ماء، وبينهم وبينه فراسخ، فأَشْرَفَ على الهلاك، فأدركه نَصر بن سَعد الكُردي، فسقاه ماءً، ونَهَبَ ما كان معه، وحَمَلَه إلى دُبَيْس، وكان نازلًا بالنُّعْمانية (١)، فأصعد به إلى بغداد، وخَيَّم بالرَّقَّة، وبعث به إلى المسترشد بعد تسليم عشرين ألف دينار إلى دُبَيْس، فكانت مُدَّةَ خروجه إلى أن أعيد أحدَ عَشَرَ شهرًا، وكان مُدَبِّرُه ابنَ زهمونه، فَشُهِرَ ببغداد على جَمَلٍ، وعليه قميصٌ أحمر، وفي رقبته مخانق فيها خَرَزٌ وَوَدَعٌ، ووراءَه إنسانٌ يَضْرِبُه بالدِّرَّة، ثُمَّ حُبِسَ، وقتِلَ في الحَبْس (٢).

ولما دخل أبو الحسن على أخيه المُسْترشد قَبَّل قَدَمه وبكى، فبكى المسترشدُ وَرَقَّ له، وقال: يا أخي، ما حملك على ما صنعتَ، فضحت نَفْسَك وبيتك، وباعوك بَيْعَ العبيد، ثم أَسْكَنَه في الدَّار التي كان فيها المسترشد وهو ولي العهد، ووسَّعَ عليه، وبعث إليه ثيابًا جميلة، وطَيَّب قلبه (٣)، ثم بلغه أَنَّه يريدُ الهرب، فَضَيَّق عليه، وسَدَّ الأبواب إلا موضعًا يدخل إليه ما يأكله منه (٤).


(١) النعمانية: بليدة كانت بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة. انظر "معجم البلدان": ٥/ ٢٩٤.
(٢) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٠٤ - ٢٠٥.
(٣) انظر "الكامل" ١٠/ ٥٣٧ - ٥٣٩.
(٤) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٠٧.