للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها استوزر الخليفةُ جلالَ الدين الحَسَنَ بنَ صَدَقَة، وكان سَيِّدًا جَوادًا فاضلًا، وولده شَرَفُ الدِّين أبو الحسن عليّ صاحبُ الخَطِّ المليح، وصرفَ الخليفةُ ابنَ أبي منصور.

وفي ربيع الأول خَطَبَ الخليفةُ لولده أبي جعفر منصور الرَّاشد بالله، فكان يقال على المنابر بعد الدُّعاء للخليفة: اللهم، وأَنِلْه من الأمل أبعده، وأَنْجِزْ له مَوْعده في سلالته الطَّاهرة، مولانا عُدَّةِ الدُّنيا والدِّين، المخصوص بولاية العَهْد في العالمين أبي [جعفر] (١) منصور بن أمير المؤمنين (٢).

وفيها قَدِمَ السُّلْطان سنجر الرَّيَّ، فملكها، وكانت بينه وبين ابن أخيه محمود بن محمد شاه وقعةٌ عظيمة بصحراء ساوة، وكان مع سنجر خمسة ملوك على خمسة أَسِرَّة، منهم: ملك غَزْنة، ومعه أربعون فيلًا، عليها المقاتلة وألوف من الباطنيَّة وألوف من الكُفَّار، فيقال: إنه كان في مئة ألف، وكان محمود في ثلاثين ألفًا، فاستظهر محمودٌ عليه، لأَنَّه سَبَقَه إلى الماء، فملكه، والتقى الجمعان، وَهَبَتْ ريحٌ سوداء، وأظلمتِ الدُّنيا، وظهر في السَّماء حُمْرةٌ وآثارٌ مُزْعجة، فاشتغل الفريقان عن القتال بذلك، واشتدَّتِ الأهوالُ إلى أن زالتِ الشَّمس، وانكشفتِ الظُّلْمة، فاقتتلوا، فانكسرت ميمنةُ سنجر وميسرتُه، وثَبَتَ في القلب والفِيَلة معه، وتفرَّق معظمُ أصحابِ محمود في النَّهْب، وبقي [محمود] (٣) في القلب بإزاء سنجر، فزحف سنجر بالفِيلة، وعليها البركسطوانات (٤)، وفيها المرايا اللامعة، وعليها المقاتلة، فلما رأتْها الخيولُ وَلَّت هاربةً، وحَمَلَ سنجر، فكَسَرَ محمودًا، وقتَلَ جماعةً من أمرائه، فتأخَّر [محمود] (٣) على حَمِيَّةٍ لا تأَخُّرَ هزيمةٍ، فلم يتبَعْه سنجر، وأقام مكانه، ونظر [سنجر] (٣) فإذا ميمنتُه وميسرتُه قد انهزموا وأبعدوا، وأثقاله نُهبت، ووزيره شهاب الدِّين عبد الرزاق قد أُسر، وسأل عن مُعْظم أمرائه، فقيل: قُتِلوا، فخاف، وما كان يظنُّ أنَّ محمودًا يقف بين يديه


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) انظر "المنتظم": ٩/ ٢٠٥.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) بركسطوانات جمع، مفردها بركسطوان، ويقال: بَرْكُسْتُوان: وهو جل مزركش كان يوضع على الفيلة، انظر "تكملة المعاجم" لدوزي: ١/ ٣٠٨، وانظر "النجوم الزاهرة": ١٢/ ٢٦٢.