للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان في كَنَفي (١) دُمْلُجٌ (٢) فيه ثمانون دينارًا، فنزعته من عَضُدي، وتركته إلى جانب ثيابي، ولما اغتسلت لَبِسْتُ ثيابي، وخرجتُ وأُنسِيتُه، فذكرتُه، فرجعت أَطْلُبُه فما وجدته، فقال له السَّائل: وما علامته؟ قال: كذا وكذا، قال: في أيِّ سنةٍ كان هذا؟ قال: في سنة كذا وكذا، فأخرج الرجل الدُّملُج من كَنَفِهِ، وناوله إياه، وقال: حَجَجْتُ تلك السنة، ودخلتُ زَمَزَمَ لأغتسل، فوجدتُه هناك، ولي مُدَّة أطلبُ صاحبه ولم أجده، والحمد لله على وصوله إليك. فتعجَّبَ النَّاس من جَبْرِ مصيبة الرجل (٣).

ومنها أَنَّ رجلًا بنهر مُعَلَّى لقيَ خِرْقةً زرقاء، فَحَلَّها، فوجَدَ فيها ستين دينارًا، فجعلَها في كُمِّه، وإذا بصبيٍّ يبكي ويقول: والله ما هي لي، وضَيَاعُها سببُ هلاكي. فقال له الرجل: ما الذي بك؟ فقال: أنا مملوك لرجلٍ [قد] أعطاني صُرةً فيها ستون دينارًا لأحملها إلى داره، فوقعتْ مني. فقال الرجل في نفسه: أرُدُّها عليه أم لا؟ وتردَّدَ في خاطره، ثم تَرَجَّح رَدُّها عليه، وقال: يعوِّضني الله خيرًا منها، فأنا واثِقٌ به، فقال: ما علامَتُها؟ فوصفَها له، فأعطاه إياها، فَحَلَّها وأخرج منها دينارًا، وقال: هذا لي، والباقي لسيدي، [خُذِ الدينار. فأخذتُه، وأخذ الصَّبيُّ الدَّنانيرَ ومضى] (٤). ومَرَّ الرَّجُلُ بالسُّوق، وإذا برجل ينادي على سَيْف ويقول: دينار دينار. فاشترى السَّيْفَ بالدِّينار، وكان صَدِئًا، فجاء به إلى صَيْقَل. وقال: امْسَحْه. فَمَسَحَه، فظهر له جوهرٌ عظيم، فَبُهِتَ الصَّيْقَل، وقال للرجل: أتبيعه؟ قال: نعم. قال: بكم؟ قال: بستين دينارًا. فقال: قُمْ معي. وأتى به إلى دارٍ، فَطَرَقَ بابها، فأُذِنَ له، فدَخَلَ والرَّجلُ معه، وإذا بصاحبِ الدَّارِ جالسٌ وعليه هيبة وله حشمة، فقال له: هذا السَّيفُ الذي كنت تطلبه منذ زمان وقد وَجَدْتُه مع هذا الرجل. فأخذَه وسَلَّه، فأعجبه، فقال: بكم هو؟ قال: لا أنقصه عن ستين دينارًا [شيئًا] (٥). فقال: بخمسين. فقال: لا أبيعه إلا بستين. فصاح الرجل: يا غلام،


(١) كنف الرجل: حضنه، يعني العضدين والصدر. "اللسان" (كنف).
(٢) الدملج: حلية تحيط بالعضد. المعجم الوسيط: ١/ ٢٩٦ قلت: وكأنه استعملها هنا بمعنى حافظة نقود تحيط بالعضد.
(٣) في (ع): من جبر مصيبته، والمثبت من (ب) و (ش) و (م)، وانظر ص ١٥١ من هذا الجزء.
(٤) في (ع) و (ب): والباقي لسيدي، وأخذها ومضى، وما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) ما بين حاصرتين من (ب) و (م) و (ش).