للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يطلب منه الأَمان، فجاء إلى محمود وقال له: يا سُلْطانَ العالم، إنَّ من السَّعادة أنَّ أخاك لم يجد مهربًا عنك، وقد بعث يطلبُ الأمان، وعاطِفَتُك أجَلُّ متوسَّلٍ به إليك. فقال: أين هو؟ قال: في المكان الفلاني. فقال: ما نويت غير العفو والإحسان، فقال للبُرسُقي: امضِ إليه، وَأْتِ به، وله الأمان.

واتفق أن بعد انفصال الركابي عن مسعود أَنَّ يونس بن داود البَلْخي ظَفِرَ بمسعود، فقيل له: إنْ حملتَه إلى أخيه، فربما أعطاك ألف دينار أو أَقَلَّ، وإنْ حملته إلى دُبَيْس أو إلى المَوْصِل وصلتَ إلى ما شِئْتَ. فَعَوَّل على ذلك. وجاء البُرْسُقي، فلم يَرَه، فسار خلفه ثلاثين فرسخًا، وعَرَّفَه أمان أخيه. وأخذه، [ورجع إلى عسكر محمود] (١)، فأمر محمود باستقباله، وأَخْرَجَ إليه الأعيان، ونزل عند أُمِّه، ثم جلس [السلطان] (٢) محمود، فدخل إليه، وقبَّل الأرض [بين يديه] (٢)، فضمه إليه، وقبَّل [ما] (٢) بين عينيه، وبكى كلُّ واحدٍ منهما، [وكان هذا من محاسن أفعال محمود] (٢).

وقيل: إنَّ محمودًا جَلَس على سريره، فلمَّا دخل عليه مسعود قام ونَزَل منه، وعانقه، وبكيا، وأجلسه إلى جانبه، وكتب إلى عَمِّه سنجر يخبره بما فعل. فوقع ذلك من سنجر أحسنَ موقع، وأكرمَ رسولَه.

وكان سنجر قد فَوَّض إلى محمود ولاية أَصبهان وهَمَذَان وأَذْرَبيجان والعِراق وديار بكر، والشَّام إلى العريش، وكان الطُّغْرائي وزيرُ مسعود قد هرب يوم الوقعة، فأخذه غِلْمان الوزير أبي طالب السُّمَيْرَمي (٣)، فبادر السُّمَيرمي، وضَرَبَ عُنُقَه، وسنذكره إن شاء الله تعالى (٤).

وفيها عاث دُبَيْس بن صَدَقَة في البلاد، وكان يؤثر عِصيان مسعود على أخيه محمود ليتمكن من نَهبِ أعمال بغداد، فلما وقعت الحرب [بينهما] (٢) شَرَعَ دُبَيْس في الفساد،


(١) في (ع) و (ب): فرجع، وما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وانظر "المنتظم": ٩/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) نسبة إلى سُمَيْرَم: بلدة بين أصبهان وشيراز في منتصف الطريق، وهي آخر حد أصبهان. "الأنساب": ٧/ ١٥٢.
(٤) انظر ص ١٣٥ - ١٤٠ من هذا الجزء.