للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنهب نهر عيسى ونهر الملك والمدائن وأعمال بغداد، ووَصَلَ عسكَرُه إلى بَعقُوبا (١)، وسبى الذَّراري، ونهبَ الأموال، وهَتَكَ الحريم، وافتَرَشَ النِّساء، وكان يعتقد ما دام الخلاف قائمًا بين السُّلْطانين أنه يتمكن من غَرَضِهِ، ويستقيم أمرُه كما استقامَ أمرُ أبيه صَدَقة عند اختلاف الملوك، فلما بلغه كسرةُ مسعود خاف مجيء محمود إلى البلاد، فأحرقَ الغِلال والأتبان، وبعث إليه الخليفة أبا الحسن علي بن المُعَمَّر نقيب الطَّالبيين يخوِّفُه ويُنذره، فلم يلتفت، وجاء إلى بغداد في جُمادى الآخرة، وضَرَبَ سُرادقَه بالجانب الغربي لإزاء دار الخلافة، وباتَ أهلُ بغداد على وَجَلٍ، وبعث يتهدَّدُ الخليفة، ويقول: أنتَ بعثتَ إلى السُّلْطان ليقدَمَ بغداد، فإن صرفتَه وإلا فعلتُ وفعلتُ. فقال الخليفة: إنَّ السُّلْطان لا يمكن رَدُّه، بل نسعى لك معه في الصُّلح. فرحَلَ.

ودخل السُّلْطان محمود بغداد في رجب، وتلقَّاه الوزير ابنُ صَدَقَة والموكب، ونثَر أهلُ باب الأزَج عليه الدَّنانير، وولَّى شحنكية بغداد يرنقش الزَّكوي (٢).

وفي شعبان جاءت زوجة دُبَيْس [بن صَدَقَة] (٣)، وهي شرف خاتون بنت عميد الدولة ابن جَهِير إلى السُّلْطان، ومعها عشرون ألف دينار وثلاثة عشر رأسًا من الخيل، فلم يقعِ الرِّضى عن دُبيس، ورَدَّ الجميع، فبعثَ يطلب من السُّلْطان الأمان، فبعث إليه بخاتمه، فدخل البَرِيَّة، فقصده السُّلْطان، ونَزَلَ الحِلَّة، فبات بها ليلة، فنهبها، وقتل رجّالة دُبَيْس وشَرَّدَهم، ولجَّجَ (٤) دُبَيْس في البَرِيَّة.

[وذكر أبو يعلى بن القلانسي في "تاريخ دمشق"، أن السلطان لما نزل الحِلَّة نهبها وانهزم دُبَيْس إلى] (٥) قلعة جَعْبَر مستجيرًا بصاحبها شهاب الدين مالك بن سالم، فأجاره وأكرمه. وقيل: وقع بينهما مصاهرة (٦).


(١) بعقوبا: قرية كبيرة، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، وهي اليوم مدينة تقع على بعد ٥٠ كم شمال شرقي بغداد.
انظر "معجم البلدان": ١/ ٤٥٣.
(٢) انظر "المنتظم": ٩/ ٢١٧ - ٢١٨.
(٣) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) أي أوغل فيها، من لَّجَجَتِ السفينة: أي خاضت اللُّجَّة، انظر "اللسان". (لَجج).
(٥) في (ع) و (ب): وقيل: إنه قصد قلعة جعبر، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٦) "ذيل تاريخ دمشق": ٣٢٣.