للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملوك لا يجوز إراقتها، وهدم البيوت القديمة غير محمودٍ، والبغيُ مصرعه وخيم، والحرب غير مأمونة، وأصحابك قد مَلُّوك وكرهوك لسوء سيرتك، فارجع من حيث جئت، فإنك تَحمد قولي. فلم يلتفت دارا، وأقاما يتحاربان سنة، فمَلّا وكَلّا، والحرب بينهما سجال.

ذكر حيلةٍ دبَّرها الإسكندر

لما وقع الملَلُ من الفريقين برز منادي الإسكندر فقال: يا معاشر الفرس، علمتُم قديمًا [ما] كان من مكاتباتكم إلينا، وما كتبنا لكم من الأمانات، فمَن كان منكم مقيمًا على الوفاء فليتحوَّل إلينا، فله منا الوفاءُ بالعهد. فاتَّهمت الفرسُ بعضها بعضًا واضطربوا، فكان ذلك سببًا لخذلان دارا، ووَثب عليه رجلانِ في المعركة ممن أحسن إليهما من خلْفِه، فطعناه، فوقع.

وكان الإسكندرُ قد نادى: مَن ظَفِر بدارا فلا يؤذِه، وجاء الرجلان إلى الإسكندر فقالا: قد قُتِل دارا. فجاء الإسكندر إليه ونَزَل عن فرسه ووجده بَعدُ حيًا، فقعد عند رأس دارا، وقال: والله ما هَمَمْتُ بقتلك، ولا سَرَّني ما أنت فيه، ولقد نَهيتُ عنه، ويعزّ عليَّ ما أصابك، ثم رَقَّ له وبكى عليه، وقال: سلني حاجةً، فقال: تقتلُ فلانًا وفلانًا اللذين قتلاني، فإني كنتُ محسنًا إليهما، وأن تتزوج ابنتي روشنك، فقال: سمعًا وطاعة. وأحضر الرجلين ومثَّل بهما، وقال: هذا جزاء مَن يتجرَّأ على مَلِكه.

وتفرق مُلك فارس بقتل دارا، وكان مجتمعًا، واجتمع ملك اليونان والروم بالإسكندر، وكان متفرقًا.

ثم سار الإسكندر إلى بابل، وجلس على سرير الملك، ثم قال: أدالنا اللهُ من دارا، ورزقَنا خلافَ ما كان يتوعَّدُنا به.

ثم استولى على خزائنه وذخائره وسلاحه وجواهره، فلم يقدر على إحصائها، وتزوج ابنته روشنك، وبنى لها دارًا، وقيل: مدينة عند بابل، ولم يكن لها في زمانها نظير. وقيل: إن روشنك كانت زوجةَ دارا، ولم يكن في زمانها أجمل منها، فقيل له: ألا تتزوجها، فقال: أكره أن يُقال: غلب الإسكندر دارا، وغلبت عليه روشنك.