للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المُلْك، وأنه لا تستقيم له وزارة وابن صدقة بدار الخليفة، فقال للخليفة (١): يتخَيَّر أيَّ مكانٍ شاء (٢). فاختار (٣) حديثة عانة (٤) عند سليمان بن مُهارِش. فَحُمِلَ إلى الحديثة محقَّرًا، واجتهد دُبَيْس في أَخْذه، وكَتَبَ إلى ابن مهارش يبذل له مالًا في تسليمه إليه، فلم يجبه. واستوزر الخليفةُ أحمدَ بنَ نظام المُلْك، وخَلَعَ عليه.

وفيها عاث دُبَيْس في نواحي بغداد، ووصل إلى نهر الملك، فأرسل الخليفةُ إليه عفيفًا الخادم يقبِّحُ له ما فَعَل، فلما أدَّى الرّسالة أظهر دُبَيْس ما كان في نفسه، وقال: أنتم ضَمِنْتُم لي هلاكَ ابنِ صدقة عدوِّي وما وفيتم، بل أخرجتموه من الضِّيق إلى السَّعَة، واستوزرتم ابنَ نظام الملك ولم تشاوروني، وسألتكم في إبعاد البُرْسُقي عن بغداد وإطلاق أخي منصور، وما أجبتموني، وقد أجَّلْتكم خمسةَ أيام، فإنْ أجبتم وإلّا جئتكم محاربًا.

وتوعد وتهدَّد، وأبرق وأرعد. ففارقه عفيفٌ، فأرسل رجَّالته فنهبوا نهر الملك، وافترشوا النِّساء في نهار رمضان، وشربوا الخمور، وعاد عفيف، فحكى للخليفة ما سمع ورأى.

وفي ذي الحجة أمر الخليفةُ لإخراجِ سُرَادقه إلى الجانب الغربي، ونودي: الجهادَ الجهادَ، النَّفيرَ النفير. وعَبَرَ الخليفةُ يوم الجمعة، الرابع والعشرين من ذي الحِجَّة إلى الجانب الغربي، والنَّاس بين يديه، وعليه البُردة، والقضيب، وعليه القَباء والعِمامة، وبين يديه وزيرُه ابنُ نظامِ المُلْك، والنَّقيبان وقاضي القضاة وبنو هاشم وبنو علي، فنزل في سُرَادقه عند رَقَّة ابن دحروج (٥) مقابل داره، فأقام فيه حتى انقضت هذه السنة، وبعث [إليه الخليفة مع القاضي أبي بكر الشَّهْرُزوري] (٦) ينذره ويحذِّرُه إراقة الدِّماء. فما ازداد إلا طُغْيانًا [وخلافًا] (٧)


(١) أي "أبو سَعْد الهروي"، وفي (ب): فقال الخليفة.
(٢) في (ع): شئت، والمثبت من (ب).
(٣) أي ابن صدقة، وانظر "المنتظم": ٩/ ٢٣٤.
(٤) حديثة عانة يعني حديثة النورة، وهي على فراسخ من الأنبار، وعانة بلد مشهور، وهي قربها، وقد أضافها إليها ليميزها من حديثة الموصل، والحديثة التي من قرى غوطة دمشق، انظر "معجم البلدان": ٢/ ٢٣٠ - ٢٣٢، ٤/ ٧٢.
(٥) الرقة هو البستان المقابل للتاج من دار الخلافة ببغداد، وهي بالجانب الغربي، انظر "معجم البلدان": ٣/ ٦٠.
(٦) في (ع) و (ب): وبعث إلى دبيس ينذره .. والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٧) ما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وانظر "المنتظم": ٩/ ٢٣٥ - ٢٣٨.