للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان داود يدخل يوم الجمعة الجامع، ومعه ولده دنكري، ويسمع الخُطْبة، والقراءة، ويعطي الخطيبَ والمؤذِّنين الذَّهب الكثير، وعَمَرَ الرُّبُط للضيوف (١)، والمنازل للوعَّاظ والصُّوفية والشعراء، وأقام لهم الضِّيافات، وكانوا إذا أرادوا الانفصال عن تفليس أجازهم وزوَّدهم بالمال الكثير، وكان يحترمُ المسلمين أكثر ممَّا يحترهم ملوكُ الإسلام.

وفيها بلغ الخليفةُ أنَّ دُبَيْسًا يسُبُّ الصَّحابة، ويتركُ الصَّلوات، وليس في بلاده مُؤذِّن ولا جُمُعة، وأنه يشرب الخمر في نهار رمضان، ويسفكُ الدِّماء، فاستفتى الفقهاءَ، فأفتوا بقتاله، وبَطَلَ الحجُّ في هذه السَّنة بسببه، وكَتَب الخليفةُ إليه ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥] فما أجاب بشيء (٢).

[وقال جدي في "مشيخته" (٣): أول ما سمعت الحديث في سنة ست عشرة وخمس مئة على أبي عبد الله بن خُسْرُو البَلْخي، وسنذكره] (٤).

وفيما تزلزلت مدينة جَنْزة - ويقال كنجة (٥) - وانخسف طرفٌ منها، وانهدمَ سورُها، فسار إليها ملكُ الأبخاز والكُرْج بعساكره، فدخلها، وساقَ أهلها سبايا إلى تفليس بحيث حملوهم على العَجَل، وسِيْقَ المسلمون مثل قطعان الغَنَم، فاشترى أهلُ تفليس منهم خَلْقًا عظيمًا، وأعتقوهم، فكان أهل تفليس يقولون: ما افقرنا غير تلك السنة.


(١) في (ب) للصوفية، والمثبت من (ع)، وانظر "تاريخ الإسلام" للذهبي (خ) حوادث سنة (٥١٦ هـ).
(٢) انظر ما ذكره ابن الجوزي في "المنتظم": ٩/ ٢٣٥ - ٢٣٧ عن أولية بيت دبيس وما كان منهم.
(٣) "مشيخة ابن الجوزي" ص ١٨٣.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش)، وتوفي البلخي سنة (٥٢٦ هـ)، ولم يترجم له ابن الجوزي في "المنتظم"، وترجمته ليست فيما بين يدي من نسخ "المرآة"، فلعل المختصر قد أسقطها، والله أعلم، وترجم له الذهبي في "السير": ١٩/ ٥٩٢ - ٥٩٣.
(٥) جنزة، بالفتح: اسم أعظم مدينة باران، وهي بين شروان وأذربيجان، وهي التي تسميها العامة كنجة، قال كي لسترنج في "بلدان الخلافة الشرقية": ص ٢١٣: والأشهر في تسميتها اليوم اليزابيت Elizabthpol وخرابتها ما زالت موجودة.