للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث الرَّاشد بالوزير محمد بن أحمد بن صَدَقَة إلى زنكي يوبِّخه على ما جرى منه، فلامه زنكي، وقال: ما هذا التدبير السَّيِّئ، والأفعال القبيحة؟ فقال الوزير: أنا مستجير بالله وبك لا أعود إليه، فإنه مستبدٌّ برأيه، وما يسمع مني. فقال: اجلس فأنتَ آمنٌ.

وبَعَثَ الخليفةُ يطلب الوزير، فامتنع، وقال: أيّ وزير أنا إذا كنتُ أشير عليك بالمصلحة لا تقبل مني، وتفعل ما عاقبته إلى الهلاك، قلت لك: لا تقبض الخادم ما قبلت، وقد وَلَّيتَ ابنَ الهاروني الملعون النَّصراني على المسلمين، وهو يكون سببًا لتغيير الدولة. فقبض الرَّاشد على ابن الهاروني، وأخذ منه مئتي ألف دينار، وكان قد فتح على النَّاس أبوابَ الظُّلْم والمكوس؛ وتقدَّم إلى أبي الكرم الوالي بقَتْله، فقتله، وصلبه.

وأما مسعود فإنَّه أفرج عن أربابِ الدَّوْلة وهم الوزير وابن طلحة وقاضي القضاة، وابن الأنباري، ونقيب الطَّالبيين ابن المُعَمَّر، فأما النَّقيب فتوفي لما نزل من القلعة، وأما قاضي القضاة فانحدر إلى بغداد، وأما الباقون فدخلوا بغداد مع مسعود.

وقبض الرَّاشد على أُستاذ داره أبي عبد الله بن جَهِير، وقيل: إنَّه وُجِدَتْ له مكاتبات، وبَعَثَ زَنْكي يقول: أُريد مال الخادم، فإنَّه مال السُّلْطان، ونحن نحتاج [إلى] (١) النفقات. فلم يُعْط شيئًا، وأشار زنكي على ابنِ صَدَقَة أَنْ يكون وزير السُّلْطان داود، فأجابه. وولى الخليفة أبا العَبَّاس بن بختيار قضاء واسط. وتواترتِ الأخبارُ بمجيء مسعود، فجاء زَنْكي، فدخل على الخليفة، وقبَّل يده، واستوثق منه.

وقَرُبَ مسعودٌ من بغداد، وبعث يطلب صُلْح الخليفة، فلم يُجِبْه، وأشار زنكي واليرنقش والبازدار بالخروج إلى محاربته، وضُرِبَ سُرادِقُه بباب الحَلْبة (٢)، ورُدَّ ابنُ صدقة إلى الوزارة. وخَرَجَ الرَّاشد من داره سَلْخ شعبان، وجاءت ملطّفات من مسعود إلى الأُمراء، فأحضروها إلى الخليفة وزنكي إلَّا بكبه الشِّحنة فإنَّه أنكر، فغرَّقه زنكي.


(١) ما بين حاصرتين من (ح).
(٢) الحلية: محلة كبيرة واسعة، شرقي بغداد، عند باب الأزج. "معجم البلدان": ٢/ ٢٩٠.