للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي عاشر رمضان جاء رسولُ مسعود يطلب الصُّلح، فقال الأُمراء: ما له عندنا إلا السيف. فكاتبهم مسعود، وحَلَفَ لزنكي على المَوْصِل والشَّام، وأن ليرنقش هَمَذَان، والبازدار أَصبهان، وكَتَبَ سِرًّا إلى الأمراء بقتل زنكي، فاستفسد الجميع، وخاف بعضُهم من بعض، وأصبح الخليفةُ وليس معه أحدٌ من العساكر.

وجاء غِلْمانُ مسعود إلى تُرب الرُّصافة، فقلعوا شبابيكها، فقال زنكي للخليفة: ما تَمَّ مطلوب إلا أنا وأنت، والمصلحة خروجك معي إلى المَوْصل. ولما تيقَّن الرَّاشد مجيء مسعود، وأَنَّه لا بُدَّ له من تولية غيره، جمع الأُمراء من أبناء الخلفاء وكانوا زيادةً على العشرين، فجعلهم في سِرْداب، واستدعى أبا القاسم بن الصَّاحب حاجب الباب، وأعطاه سيفه، وقال: اذهب، فاضربْ أعناقَ الجميع وإلا ضَرَبْتُ عُنُقَك. فأخذ السيف، وخَرَجَ وتوقف، وقال: كيف أقتل أولادَ الخلفاء! وجاء إلى باب السِّرْداب وليس في عزمه شيء. فوقف متحيِّرًا، وإذا بصائحٍ يصيح: وصَلَتْ مقدِّمات مسعود إلى السور. فخرج الرَّاشد من باب البُشْرى، وقد حمل من الجواهر ما قَدَرَ عليه، ومعه قاضي القضاة الزَّينبي، وابن صدقة وزيره، وإذا زنكي واقفٌ ينتظره، وكان خروجه ليلة السبت رابع عشرة ذي القَعدة، وسار يوم السبت، وليس معه شيء من آلة السَّفر، وسَلَّم مفاتيح داره إلى خاتون زوجة المستظهر، وترك في الدَّار من الأموال والذخائر والجواهر أضعاف ما كان مع المسترشد، فاستدلَّ النَّاسُ بذلك على إدبار أمره.

وقيل: إن زنكي لما وصلت مقدِّمات مسعود إلى الرُّصافة سار إلى المَوْصِل، ونَهَبَ أصحابه أَوَانا ودُجَيل، ولحقه الخليفة.

ودخل مسعود بغداد يوم الأحد خامس عشرة ذي القعدة، وبَعَثَ إلى الرَّاشد يسأله الرجوع إلى داره، واسترضاه، فلم يثق به، ولم يرجع، فجمع مسعودٌ القُضَاة والشهود والأعيان، وأَخْرَجَ لهم نسخة يمينٍ كانت بينه وبين الرَّاشد أخذها عليه بكبه، وفيها بخطِّه: متى جنَدْتُ أو حاربتُ أو جذبتُ سيفًا في وَجْه مسعود فقد خلعتُ نفسي من هذا الأمر. وفيها خطوطُ القُضاة والشُّهود، فشهد بذلك، وحكم القضاة بخلعه.