للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث مسعود غِلْمانه إلى حظايا الرَّاشد، فسلبوهن حُلِيَّهُنَّ، وكشفوا وجوههن، وأخذوا الحَلَق من آذانهنّ، وفضحوهن، وأخذوا حتى ثيابهن.

وأما الرَّاشد فإنَّه وصل المَوْصل سَلْخ ذي القعدة، فأنزله زنكي دار السَّلْطنة، وخدمه.

وفيها قَدِمَ بغداد الحسن بن يعيش (١)، أبو علي المَوْصلي، شاعِرٌ مجيد، ومن شعره: [من الرجز]

ما ذَكَرَتْ كُثْبَ (٢) الصَّريمِ والنَّقا … بحاجرٍ إلا ومَدَّتْ عُنُقا

وأَظْهَرَتْ تنفُّسًا مَعْ نَفَسي … كادتْ له الأظعانُ أَنْ تَحْتَرِقا

رِفقًا بها يا أيُّها الحادي فما … يَضُرُّ حادي الرَّكْبِ لو تَرَفَّقا

كم سُقْتَ يومَ بَينِهِمْ حُشاشةً … مَعْك وكَمْ خَلَّفْتَ جُثْمانًا لَقى

وقال: [من الرجز]

هَبَّتْ لنا نُسَيمةٌ نَجْدِيَّةٌ … فَرَفَعَتْ أعناقَها حنينا

واسْتَنْشَقَتْ رَيَّا رُباها فَغَدتْ … تَسُحُّ مِنْ عيونها عيونا

ارخِ لها زِمامَها لو لم تكن … حزينةً لم تَجُبِ الحُزُونا

وقُلْ لها جِدِّي السُّرى لِتَرِدِي … ماءً بأَرْضِ حاجرٍ مَعِينا

أشْمَلَها نحو بلاغٍ رامَهُ … وشوقُها يَسُوقُها يمينا

وفيها أخذ شهابُ الدِّين محمود بن بوري صاحب دمشق حِمْصَ وقلعتها من خيرخان بن قراجا (٣) بسفارة الحاجب يوسف بن فيروز، وكان مقيمًا بتدمر على ما وصَفْنا، وأخذ حماة أيضًا، وكان زَنْكي مشغولًا بالخليفة، وكان خليفته بحلب الأمير سوار، وقد قنع منه بالاسم لا غير.

وحَجَّ بالنَّاس نَظَر.


(١) لم أقف على ترجمته في المصادر التي بين يدي.
(٢) كثب جمع، مفردها كثيب، وهي تلال الرمل، وقد سكنت الثاء لضرورة الشعر. "اللسان" (كثب).
(٣) كذا في النسخ الخطية، والصواب: أولاد خيرخان كما في "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٣٩٧.