للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سوى أبي الفتوح الواعظ، وكان مسعود قد بعث ألفي فارس للقَبْض عليه، ففاتهم، ومضى إلى مَرَاغة، وجاء إلى قبر أبيه، وحثا التُّرابَ على رأسه، وخرج [إلى] (١) أهل مَرَاغة، وكان يومًا مشهودًا، وحملوا إليه الأموال.

وقوي داود، والتقى بمسعودٍ قريبًا من همَذَان، فكسر داودُ مسعودًا أقبح كسرةٍ، وقتل أمراءه، ونهبَ خزائنه، وأخذ منه جميعَ ما كان أخذه من خزائن المسترشد والرَّاشد، وانهزم مسعودٌ في نَفَرٍ يسير إلى أصبهان، وأسر أصحابه: سنقرجاه صاحب زَنْجان، وأرغان صاحب مَرَاغة، ومحمد بن آق سُنْقُر، وهؤلاء كانوا بطانةَ مسعود وأعوانه، وهم الذين أشاروا عليه بقتل المسترشد، فقال له الأمير قراجا: اضرب أعناقهم. فقتلهم صبرًا، ومَثلَ بهم كلَّ مُثْلَةٍ.

وسار داود والرَّاشد خلف مسعود إلى أَصبهان، فانهزم إلى بغداد في نَفَرٍ يسير على أقبح حالٍ، ووصل جميع ما أخذه من الخليفتين إلى داود، وبوزابا وعسكرهما، ونزل مسعود في دار المملكة ذليلًا حقيرًا، وطَمِعَ العوامُ فيه وفي أصحابه، وشَرَعَ في مصادرات النَّاس، فما كان مَيْتٌ يُقْبَرُ إلا برقعةٍ من نواب مسعود يأخذون ما شاؤوا، وكتبوا على الحَفَّارين، وأشهدوا أن لا يدفنوا أحدًا حتى يخبروهم به.

وفيها جلس أبو النَّجيب (٢) في دار رئيس الرؤساء بالقَصرِ للتدريس، وجُعِلَتِ الدَّارُ مدرسة.

وفيها تتبَّع المقتفي القوم الذين أفتوا بفِسْق الرَّاشد وكتبوا المحضر، وعاقَبَ من استحق العقوبة، وعَزَلَ من يستحق العَزْل، ونَكَبَ الوزيرَ شرفَ الدِّين عليَّ بن طِراد الزَّينَبي، وكان سببَ ذلك. وقال المقتفي: إذا فعلوا هذا مع غيري فهم يفعلونه معي. وعَزَلَ ابنَ طِراد أقبح عَزْلٍ، واستصفى أمواله، واستوزر سديدَ الدَّوْلة بن الأنباري، وكان كاتبَ الإنشاء.


(١) ما بين حاصرتين من (ح).
(٢) أبو النجيب هو عبد القاهر بن عبد الله السهروردي، من أئمة الشافعية والصوفية في بغداد، توفي سنة (٥٦٣ هـ)، وستأتي ترجمته في وفياتها.