للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضًا: [من الطويل]

سَرَقْتُ إليها زَوْرَةً فتنقَّبَتْ … فقلتُ اسْفِري ما هكذا حَقُّ مَنْ طَرَقْ

فقالتْ حجبتُ البَدْرَ عنكَ تعمُّدًا … لتأمنَ إنَّ البدرَ يَفْضَحُ مَنْ سَرَقْ

منصور الرَّاشد أمير المؤمنين (١)

قد ذكرنا خلافته (٢)، وخروجه من بغداد إلى المَوْصِل، ومسيره إلى أَذْرَبيجان. وكان معه داود بن محمود، وأنَّه وَصَلَ إلى أَصبهان، واستفحل أمره.

وكَتَبَ إلى سنجر كتابًا مضمونه أنَّ الذي جرى على المسترشد إنما كان باتّفاقٍ منه ومن مسعود، وأَنَّه سوف يجد غِبَّ ذلك ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: ٤٦].

فكتب إليه سنجر كتابًا بخطِّ أبي إسحاق البَيهقي يعزِّيه في أبيه، ولم يجبه عما أشار إليه، قال: سلام على المجلس الأَسْمى، والمقرِّ الأعلى الأشرف الرَّاشدي، وصل الكتابُ العزيز الذي أَطْلَعَ مِنْ بروج الشَّرف كواكبَ الإقبال، وفجَّرَ في فضاء الإفضال ينابيع الآمال، وهيَّأ لبابِ السَّعادة مِفْتاحًا، وأَوْجَبَ لصَدْرِ الخادم انشراحًا، فأمَّا ما أشار إليه من وفاة الشَّهيد التي غَيَّرَتْ بها اللَّيالي أحوالها، وزُلْزلتِ الأَرضُ زِلْزالها، وصارتْ بسببها طوالعُ الخلافة آفلة، وغصون الشريعة ذابلة، ففي كلّ قلبٍ منها لظىً وسعير، وفي كلِّ دارٍ أنَّةٌ وزفير، لكنَّ قضاءَ الله لا يُغيَّر، وأجله إذا جاءَ لا يُؤَخَّر، وله أُسوةٌ في احتساءِ كأسِ الشَّهادة، وارتقاء مدارجِ السَّعادة بالخُلَفاء الرَّاشدين، والأئمة المَهْديين، وذكر كلامًا بمعناه.

فلمَّا قرأ الرَّاشد كتابه يَئِسَ منه، ومضى إلى أصبهان، فأقام بها، وتوفي سابع عشرين رمضان.

واختلفوا في سبب وفاته على أقوالٍ: أحدها أَنَّه سُقِيَ السُّمَ ثلاث مَرَّات. والثَّاني: أَنَّه قتله قوم من الفَرَّاشين الذي كانوا في خدمته.


(١) له ترجمة في "المنتظم": ١٠/ ٧٦ - ٧٧، و"تاريخ دولة آل سلجوق": ١٦٦ - ١٦٨، و"خريدة القصر" قسم شعراء العراق: ٢/ ٣٣ - ٣٤، و"الكامل": ١١/ ٦٢ - ٦٣، و"مختصر التاريخ" لابن الكازروني: ٢٢٤ - ٢٢٧، و"الفخري": ٣٠٨ - ٣٠٩، و"سير أعلام النبلاء": ١٩/ ٥٦٨ - ٥٧٣، وفيه تتمة مصادر ترجمته.
(٢) انظر ص ٢٨٠ - ٢٨٥ من هذا الجزء.