للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من رسائِلِهِ أَنَّه كتَبَ إلى أبي الحسن ابن التلميذ (١) كتابًا يقول فيه: كتابي -أطال الله بقاءَ سيدنا- طَوَّلَ اشتياقي إليه، وأدام تمكينه دوامُ ثنائي عليه، وحَرَسَ نعمته حراسةَ ضميرهِ للأسرار، وكبَتَ أعداءه كبْتَ صَبْري يوم تناءتْ به الدَّار، عن سلامةٍ انتقلت ببُعدِهِ من جسمي على وُدِّي، وعافيةٍ كان بَينُه بها آخرَ عهدي، وأنا أحمد الله العلي على ما يسوءُ وَيسُرّ، وأديمُ الصَّلاةَ على رسوله محمد وآله المُحَجَّلين الغُرّ، وبعد:

فإنِّي أذكر عهدَ التَّزاورِ ذِكْرَ الهائِم الوَلُوع، وأَحِنُّ إلى عَصرِ التَّجاور حنينَ الحائم إلى الشُّروع (٢)، وأقول: [من المتقارب]

وإنّي وحَقِّك منذُ ازتحلتَ … نهاري حنينٌ وليلي أنينُ

وما كنتُ أعرفُ قَبْلُ امرأً … بجسمٍ مقيمٍ وقلبٍ يَبِينُ

وكيفَ السَّبيلُ إلى سَلْوتي … وحُزْني وفيٌّ وصَبْرِي خَؤُونُ

وكيف لا أكون كذلك وإنَّما أخذتُ حُسْنَ الوفاء عنه، واكتسبتُ خُلُوصَ الصَّفاءِ منه، وقد فتنتني منه دماثةُ تلك الشَّمائل، التي شغلت كَلَفي بها عن كلِّ شاعل، وأنا أُثني عليه ثناءً تناقله الرُّواة، وغنَّى طربًا بذكره الحُداة، ولم أزل ناشرًا من فَضْله ما نسوه، وذاكرًا من محاسنه ما لم يذكروه.

فكتب إليه ابنُ التلميذ في الجواب: وَصَلَ كتابُه مَدَّ الله في عمره امتدادَ أملي فيه، وأدام عُلُوَّه دوام بِرِّه لمعتفيه، وحَرَسَ نعماءَه حراسةَ الأدب بناديه، عن سلامةٍ شملت بتأميل إيابه، وعافيةٍ عَفَتْ لولا قراءةُ كتابه: [من المتقارب]

وإنِّي وَحُبِّكَ مُذْ بِنْتُ عنـ … ـــــــك قلبي حزينٌ ودمعي هَتُونُ


(١) في (ع) و (ح): الحسين بن التلميذ، وهو تحريف، والمثبت من "المنتظم": ١٠/ ٨٢.
وأبو الحسن هو هبة الله بن صاعد بن هبة الله المعروف بابن التلميذ، الطبيب النصراني اللقب أمين الدولة البغدادي، كان من كبار علماء عصره في الطب والأدب، وله شعر وترسل جيد، توفي سنة (٥٦٠ هـ) عن مئة سنة، وكان بينه وبين علي بن أفلح مكاتبات، وكان يعالجه إذا مرض، انظر ترجمته في "طبقات الأطباء" لابن أبي أصيبعة: ٣٤٩ - ٣٧١، و"وفيات الأعيان": ٦/ ٦٩ - ٧٧.
(٢) الحائم: العطشان. والشروع: الورود إلى الماء. انظم "معجم من اللغة": ٢/ ٢٠٧ و ٣/ ٣٠٥.