للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في خمسين ألفًا، وبلغ سنجر، فجمع، وقطع النهر في مئة ألف مقاتل، والتقى الفريقان في صحراء سَمرقَنْد، وكان يومًا عظيمًا لم يُرَ مِثْلُه في جاهلية ولا إسلام، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وانكشف سنجر وقد قُتِلَ عامَّةُ أصحابه، وانهزم في ستة أنفس، وأسرت زوجته وأولاده، وجواريه وابنته، وهُتك حريمه، وقُتِلَ عامَّةُ أمرائه، وقتل معه اثنا عشرة ألف عِمامة كلُّهم رؤساء وفقهاء؛ فيهم الحسام بن مازة (١)، وأُسر أبو الفَضْل الكَرْماني؛ صاحب "الجامع الكبير".

وعبر خوارزم شاه واسمه أنزاك (٢) بَلْخ، ونَزَلَ فيها مراغمةً لسنجر، فَنَهبَ وقتل وسبى خَلْقًا لا يحصون، ومضى سنجر إلى تِرمِذ، فلما دخلها افتقد أهله، فلم ير أحدًا، فسأل عن الأُمراء، فقيل: قُتِلوا، وأُخذ من خزائنه، وأمواله وذخائره وخيله، ولم يُفْلت إلا في ستة أَنْفُس، وأقام أيامًا لم يجد ما يأكل. وكانت هذه الوقعة سببَ بواره.

ووصل الخبر إلى بغداد، فانكسرت هِمَّة مسعود، وذَلَّ.

وعاد صاحب خوارزم إليها، ونزل خاقان في مروج سمرقَنْد، وجَمَعَ إليه الغُزَّ، واقتسموا الأموال والغنائم، وأُحصي مَنْ قُتِلَ من أصحاب سنجر، فكانوا سبعين ألفًا، وأخذوا من النِّساء عشرة آلاف امرأة، وقتل أربعة آلاف.

وكان المقتفي قد غَضِبَ على وزيره ابنِ طِراد، وعَزَلَه، فدخل على مسعود، وسأله أن يشفع فيه إلى الخليفة، ويُعيده إلى داره، فقال مسعود لوزيره: خُذْه، واذهبْ به إلى الخليفة، وقُلْ له: إن سنجر ومسعودًا يسألان أمير المؤمنين فيه. فدخل وزيرُ مسعود على الخليفة، وقبَّلَ الأرضَ، وأدَّى الرِّسالة، وقال له: خُذْه، وإن كان قد بدا منه سيئة فأمير المؤمنين أهل العفو عنه، وما زالت العبيد تجني والموالي تعفو. فَشَرَعَ الخليفة يُعِدُّ سيئاته، والوزير يقول: ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢] فقال الخليفة: ﴿عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٩٥] قد عفونا عنه بشفاعة السُّلْطانين.


(١) في (ع) و (ح): ابن مامه، وهو خطأ، وسيأتي اسمه على الصواب في ترجمته ص ٣٣٥ من هذا الجزء.
(٢) كذا في (ع) و (ح)، ولم أتبينها.