للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا يرنقش قاتلُ زَنْكي فانفصل من قلعة جعبر في جُمادى الآخرة لخوف صاحبها من طلبه، ووصل دمشق ظنًّا منه أنه قد أَمِن [، ومدلًا بما فعل] (١)، فقُبِض عليه وبُعث به إلى حلب، فَبَعَثَ به نورُ الدِّين إلى المَوْصل، فَقُتِلَ شَرَّ قِتْلَة، ومُثِّلَ به أقبح مُثْلة.

وأما جوسلين فإنه راسل من كان بالرُّها من الأرمن لَمَّا بلغه قَتْلُ زنكي، ووعدهم يومًا بعينه يصل إليهم فيه، وجاء فدخل البلد، فامتنعت عليه القلعة، وبلغ الخبر نور الدين وهو بحلب، فسار إليها بعساكره، فهرب جوسلين، ودخلها نورُ الدين، فَقَتَلَ مَنْ كان بها من الأرمن، وغَنِمَ أموالهم، واستقرَّت في يدِ نور الدين، ولم يعارضه أخوه غازي.

ولما مَلَكَ سيفُ الدِّين المَوْصل راسل أخاه نورَ الدِّين في الاجتماعِ به، فاعتذر بالفرنج خوفًا على نَفْسه، فَحَلَفَ له، واتَّفقا أن يجتمعا في الجزيرة، ومع كلِّ واحدٍ منهما خمس مئة فارس، فخرج سيفُ الدين من المَوْصل، وقَطَعَ نورُ الدين الفرات، ووصل الخابور، فالتقيا في اللَّيل، ولم يعرفه نورُ الدين، فلما عَرَفَه ترجَّل، وقَتلَ الأَرْضَ، وترجَّل سيفُ الدين، وتعانقا، وبكيا، وجلسا يتحدَّثان، فقال له سيفُ الدين: يا أخي، ما الذي مَنَعَك من المجيء إلى عندي، أكنتَ تخاف مني؟ والله ما خَطَرَ لي ما تكره، وأنا فلمن أريدُ الدُّنيا، وبمن أنتصر إذا فعلتُ مع أخي وأعزِّ الخَلْق عليَّ ما يكره! فطابَ قلبُ نورِ الدِّين، وافترقا، وكان سيفُ الدِّين الأكبر.

[وفيها توفي:

سَعد الخير بن محمد بن سهل بن سعد (٢)

أبو الحسن، الأندلسي. سافر من بلاد الأندلس إلى بلاد الهند والصِّين، ورَكِبَ البحار، وقاسى الأخطار، ثم قَدِمَ بغداد، وتفقَّه على أبي حامد الغزَّالي، وسمع الحديث، وصنَّف الكتب، وقرأ الأدب على الخطيب التِّبْريزي وغيره، وكانت وفاته


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) له ترجمة في "الأنساب": ٢/ ٢٩٧ - ٢٩٨، و"المنتظم": ١٠/ ١٢١، و"مشيخة ابن الجوزي": ١٥٧ - ١٥٩، و"معجم البلدان": ١/ ٤٩١، و"اللباب": ١/ ١٧٦، و "سير أعلام النبلاء": ٢٠/ ١٥٨ - ١٦٠، وفيه تتمة مصادر ترجمته.