للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يلتفت إلى قوله، وأصبح العوام، فخرجوا إليهم، فقاتلوهم، فاستجرُّوهم، فأَبعدوا عن البلد، وخرج عليهم الكمين، فقتلوا من العوام نحوًا من خمس مئة، ولم يتجاسر أحدٌ أن يخرج من أهل المُقَتَّلين، فنادوهم: تعالوا خذوا قتلاكم.

فلمَّا كان عشية ذلك اليوم، وهو سادس جُمادى الآخرة جاء الأُمراء إلى الرَّقَّة المقابلة للتَّاج، ورموا أنفسهم، وقالوا: ما عندنا مما جرى عِلْم، وإنما هو فعلُ أَوْباشٍ لم نأمرهم به. فلم يلتفت إليهم. فقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا ما نبرح أو يعفو عنَّا أمير المؤمنين. فَعَبَرَ إليهم خادِمٌ وقال: قد عفا عنكم، فامضوا واستحلُّوا من أهل القَتْلى. ثُمَّ أمر الخليفةُ بإصلاحِ ما هدموا من السُّور.

ثم اختلف العسكر، فأخذ ألدكز الملك محمد شاه، وطلب بلاده، وسار البقش وابنُ دُبَيس والطرنطاي نحو الحِلَّة، وسكنَ النَّاس.

وقبضَ الخليفةُ على وزيره ابن صدقة، ومات قاضي القضاة الزَّينَبي، وتقلَّد القضاء علي بن أحمد بن علي بن محمد الدَّامَغَاني.

وفي ربيعٍ الأوَّل نزلتِ الفرنج على دمشق؛ خرج ملكُ الألمان (١) من البحر في جيوشٍ لا تحصى، واجتمع إليه ملوكُ السَاحل [وكنودها] (٢)، واجتمعوا في البيت المقدس، وصلُّوا صلاةَ الموت، وعادوا إلى عكا، وفرَّقوا سبع مئة ألف دينار في العساكر، ولم يُظْهروا أنهم يريدون دمشق، وَوَرُّوا بغيرها، وهرب المسلمون من بين أيديهم، وجمعوا الغِلال والأَتْبان (٣) وأحرقوها، وكان صاحبُ دمشق مجير الدِّين أبق بن محمد بن بوري بن طُغْتِكِين، ومُدَبِّر الأمور معين الدين أُنَر، فلمَّا كان يوم [السبت] (٢) سادس ربيع الأول لم يشعر أهل دمشق إلا وملك الألمان قد ضُرِبَتْ خيمته [على باب دمشق] (٢) في الميدان الأخضر، وكانوا ستة آلاف فارس وستين ألف راجل، وقيل: كانوا مئة ألف راجل وعشرة آلاف فارس، وقيل: إنهم تفرَّقوا على البلد، فنزل ملك الألمان في الميدان [الأخضر] (٢) في ستة آلاف فارس وثلاثين ألف


(١) هو كنراد الثالث. Conrad ١١١
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) الأتبان جمع، مفردها تبنة، وهي ما تهشم من سيقان القمح والشعير بعد درسه تعلفه الماشية، ويجمع أيضًا على تبن، انظر "معجم متن اللغة": ١/ ٣٨٧، و"المعجم الوسيط": ١/ ٨٢.