للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

راجل، ونزل قرواس (١) ملك السَّاحل على الشَّرف الشّمالي في ثلاثة آلاف فارس وعشرين ألف راجل، ونزل الكُنُود والخَيَّالة على الشَّرف القِبْلي في مئة ألف راجل، واجتهد المسلمون في إحصائهم فلم يقدروا، وخرج إليهم معين الدين ومجير الدِّين في مئة ألف راجل سوى الفرسان، فقاتلوهم في اليوم الأول قتالًا شديدًا، فَقُتِلَ من المُسْلمين نحو مئتين، [منهم الفِنْدلاوي، وسنذكره في موضعه] (٢)، وكان القتال يعمل ليلًا ونهارًا، وضايقوا البلد حتى نزلوا على أبوابه.

وكان [معين الدين] (٢) أُنَر قد كاتب سيفَ الدِّين غازي صاحب المَوْصِل قبل [نزول الفرنج على دمشق يستصرخ به، ويخبره بشدة بأس الفرنج، ويقول: أَدْركْنا. فسار سيف الدين في] (٣) عشرين ألفًا، فنزل بحيرة حِمْص، وبعث إلى [معين الدين] (٢) أُنَر يقول: قد حضرتُ بجندٍ عظيم، ولم أترك ببلادي مَنْ يحمل السِّلاح، فإنْ أنا جئتُ ولقَينا الفرنج وكانت علينا هزيمة وليست دمشق لي ولا لي بها نائب لم يَسْلَمْ منا أحد، وأخذتِ الفرنجُ دمشق وغيرها، فإنْ أحببتَ أن أقاتلهم، فَسَلِّم البلدَ إلى مَنْ أَثِقُ به، وأنا أحلف لك إن كانت النُّصرة لنا [عليهم أنني] (٢) لا أدخل دمشق، وأَرْجعُ إلى بلادي، فَمَطَلَه [معين الدين] (٢) أُنَر، وبعث إلى السَّواحلة يقول: هذا ملك الشَّرْق نازِلٌ على حِمْص، وليس لكم به طاقة، فإن رَحَلْتُم وإلا سَلَّمْتُ دمشق إليه، وهو يُبيدكم، وأنا أُعطيكم بانياس. فأجابوه، وحَسَّنوا للغرباء الرَّحيل، فاتَّهموهم.

وكان زمان الفواكه، فنزل الفرنجُ الوادي، فأكلوا منها شيئًا كثيرًا، فانحلَّتْ أجوافُهم، ومات منهم خَلْقٌ كثير، ومَرِضَ الباقون.

ولمَّا ضاق بأهلِ دمشق الحال أخرجوا الصَّدقَات والأموال على قدر أحوالهم، واجتمع النَّاس في الجامع: الرِّجال والنِّساء والصِّبْيان، ونشروا مُصحف عثمان رضوان الله عليه، وحثوا الرَّماد على رؤوسهم، وبكوا وتضرَّعوا، فاستجاب الله لهم،


(١) كذا في (ع) و (ح)، وفي (م) قرولش، وفي (ش) فرويس، والمراد على الأغلب هو ملك بيت المقدس، ويراد بالساحل أي فرنج الشام تمييزًا لهم عن الفرنج القادمين مع الحملة، وقد عُبِّر عنهم بالغرباء، وكان ملك بيت المقدس وقتئذٍ هو بلدوين الثالث، وكان تحت وصاية أمه، انظر "تاريخ الحروب الصليبية" لرنسيمان (الترجمة العربية): ٢/ ٤٥١.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في (ع) و (ح): قبل نزولهم يستصرخ به، فسار في عشرين ألف، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).