للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُطْلِقَ أيدي النَّهَّابة في نَهْبِ دور السلَّارية (١)، ثم سكنتِ الفتنة، واتَّفق الأمر أنَّ الرئيس لا يشاركه في التَّدْبير والوزارة أحد.

ولما تقرَّر أمر دمشق كَتَبَ نورُ الدِّين إلى مجير الدين يَطْلُبُ منه ألفَ فارس تَصِلُ إليه مع مقدَّمٍ يُعَوَّلُ عليه لجهاد الفرنج، وأنَّه عازِمٌ على قصدهم. فغالطوه، وعَلِمَ قَصدَهم، فسار حتى نزل بمَرْج يَبُوس وبعض عساكره بيعفور، فراسل مجيرُ الدِّين الفرنج، واتَّفق معهم على نور الدِّين، وكانوا على عَسْقلان ويَعْمُرون غَزَّة، فجاؤوا إلى بانياس، وعَرَفَ نورُ الدِّين خبرهم، فلم يَحفِلْ بهم، ولا انثنى عن جهادهم، وهو محسن إلى الرَّعايا، كافٌّ الجُنْدَ عن أذى الفلاحين، والدُّعاءُ له كثير، وكان الغيثُ قد مُنِعَ، فجاء سَيلٌ عظيم ورويت البلاد، فقالوا: هذا ببركة حلول رِكاب نور الدين. ثُمَّ سار من يعفور، فنزل جسر الخشب (٢) في ذي الحِجَّة، وراسل مجيرَ الدِّين والرئيس يقول: ما قصدتُ بنزولِ هذا المنزل محاربتكم، ولا أنا طامعٌ في بلادكم، وإنما بلغني فعلُ الفرنج والعرب بأهل حوران من السَّبْي والقَتْلِ والنَّهْب وذَبْحِ الأطفال مع عدم النَّاصر لهم، وأنتم فلا دينَ لكم ولا مروءة، وقد واطأتم الفرنج عليَّ، وقد أوجب الله عليَّ وعليكم وعلى النَّاس كافَّة جهادَ الكُفَّار، فلا عُذْرَ لي عند الله تعالى، فإنَّ عندي المال والرجال، وأنتم فعاجزون عن الذَّبِّ عن المُسلمين، وما الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالفرنج لمحاربتي، وبذلتم لهم أموال الضُّعفاء والمساكين من الرَّعية ظُلْما وعُدْوانًا، وهذا ما يرضي الله ولا المسلمين. فكان الجواب: ما لكَ عندنا سوى السَّيف، وإنْ نازلتنا استدعينا الفرنج لدفعك عنا. فلما جاءته هذه الرِّسالة عَزَمَ على الزَّحْفِ إلى دمشق، ثم فكَّرَ في العاقبة، وحَقَنَ دماء المسلمين، وأرسل الله أمطارًا كثيرة، فأقامت أيامًا، فتأخَّر عنها (٣).


(١) يعني السلار زين الدين حيدرة، وأخاه مؤيد الدين وأصحابهما، وانظر "سير أعلام النبلاء": ٢٠/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٢) أي نواحي داربا.
(٣) "ذيل تاريخ دمشق" لابن القلانسي: ٤٧٥ - ٤٨٠، وانظر "كتاب الروضتين": ١/ ٢٢٣ - ٢٢٥ و ٢٣٩ - ٢٤١.