للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أيوب] (١) أخت صلاح الدين [والعادل، وهي أعظم من غيرها في كثرة المحارم، وسنذكرها في سنة إحدى وأربعين وستِّ مئة] (١).

ولما ملك قُطْب الدِّين المَوْصِل كان أخوه نور الدين بحلب، وكان عبد الملك بن المُقَدَّم في سِنْجار، ومعه ولده شمس الدِّين محمد، فكاتبه نور الدين وهو دُزْدار (٢) في سِنْجار، فأجابه محمد، وكان أبوه عبد الملك من أمراء الدَّولة، وقيل: إنَّ محمدًا كان بسنجار وعبد الملك بالمَوْصِل، فسار نور الدّين من حلب في سبعين فارسًا جريدةً، فسلَّم إليه محمدُ بنُ المقدَّم سنجار، وجاءته كُتُبُ الأمراء من المَوْصِل، وبلغ الخبر قطب الدين، فخرج من المَوْصل بالعساكر ومعه زين الدّين وجمالُ الدّين الوزير، فنزلوا تل أَعْفر (٣)، وراسلوا نورَ الدِّين ينكرون عليه، فقال: أنا أكبر الأولاد، وأحقُّ منكم بالبلاد، وما جئتُ حتى كاتبني أُمراؤكم يذكرون كراهتهم لكم، فخِفْتُ أن يحملهم بُغْضهم لكم على إخراج البلادِ من أيدينا، ولا أقاتلكم إلا بمن معكم، ولهذا جئتكم جريدةً وهربَ إليه أعيانُ العَسْكر، فقال لهم الوزير: يا قُطْبَ الدِّين ويا زين الدّين نحن نُظْهر للخليفة والسُّلْطان أننا تبَعٌ لنورِ الدِّين، ونورُ الدين يُظْهر للفرنج أنه تبعٌ لنا، ويهدِّدهم بنا، فإن كاشفناه، وظهر علينا طَمِعَ فينا الخليفةُ والسُّلْطان، وإن ظهرنا عليه طَمِعَ فيه الفرنج، ولنا بالشَّام حِمْص وهي بعيدةٌ عنا، ونحتاج إلى حِفْظها من العدو، والمصلحة أن نعطيه إياها ونأخذ منه سنجار، فقالا له: اخرجْ إليه ودبِّرْ معه هذا. فجاء الوزيرُ إلى نور الدِّين، وقرَّر معه الصُّلْح، فرضي وقال للوزير: أريد أن تكون عندي. فقال له: فيك من الكفاية والنَّهْضة ما لا تحتاج معه إلى وزير، وليس لك من الأعادي مثل ما لأخيك، فإنَّ أعداءه مسلمين، فيحتاج إلى من يقوم بأمره ويدفعهم، وأنتَ عدوك كافر، فالنَّاس يدفعونه دِيانةً، ومتى كنتُ عند أخيك فنفعه عائدٌ إليك. فجعل له نورُ الذين في كلِّ سنة إقطاعًا بعشرة آلاف دينار، وكان الوزير يشتري بها أسارى من المسلمين في كلِّ سنة، فَيُطْلقهم، ولا يأخذ منها شيئًا.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) أي مالك القلعة، انظر "معجم المصطلحات والألقاب التاريخية": ص ١٨١.
(٣) تل أعفر: قلعة وربض بين سنجار والموصل في وسط وادٍ فيه نهر جارٍ، وهي على جبل منفرد حصينة محكمة. "معجم البلدان": ٢/ ٣٩.